وأما التسبيح فقد قال: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الأحزاب/٤٢، وقال: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى/١، وقال: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الحاقة/٥٢. وفي الدعاء: (قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الإسراء/١١٠، فقوله (أَيّاً مَّا تَدْعُواْ) يقتضي تعدد المدعو لقوله: (أَيّاً مَّا) وقوله (فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) يقتضي أن المدعو واحد له الأسماء الحسنى وقوله (ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ) - ولم يقل ادعوا باسم الله أو باسم الرحمن - يتضمن أن المدعو هو الرب الواحد بذلك الاسم. فقد جعل الاسم تارة مدعوًا وتارة مدعوًا به في قوله: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الأعراف/١٨٠، فهو مدعو به باعتبار أن المدعو هو المسمّى وإنما يدعى باسمه. وجعل الاسم مدعوًا باعتبار أن المقصود به هو المسمى وإن كان في اللفظ هو المدعو المنادى كما قال (قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ) أي ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم والمراد إذا دعوته هو المسمى؛ أي الاسمين دعوت ومرادك هو المسمى: (فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى).
فمن تدبّر هذه المعاني اللطيفة تبين له بعض حكم القرآن وأسراره فتبارك الذي نزل الفرقان على عبده فإنه كتاب مبارك تنزيل من حكيم حميد لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من ابتغى الهدى في غيره أضله الله ومن تركه من جبار قصمه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو قرآن عجب يهدي إلى الرشد أنزله الله هدى ورحمة وشفاء وبيانًا وبصائر وتذكرة. فالحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. آخره ولله الحمد والمنة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon