وخالف في ذلك بعض العلماء، حيث ذهبوا إلي أن لفظ الجلالة ﴿الله﴾ - سبحانه وتعالى - اسم مشتق محتجين بأمور أظهرها:
أن الاسم العَلَم في حقيقته إشارة دالة على ذات يُشار به إليها ويُدَل به عليها. وذلك يتطلَّب كون الذات معلومة قبلًا، حتى يوضع العلم دالًا عليها ومشيرًا إليها، وذلك ممتنع بالنسبة إلي الذات الأقدس - سبحانه وتعالى - من حيث إن الإشارة أمر حسى تقتضي مشارًا إليه حسيًّا.
ولا يخفي ما في ذلك من تعنت وتكلفًا، فإن الأعلام وضعت لتدل على ذواتها دون اعتبار كونها مشتملة على إشارات حسية أم لا.
والذين قالوا بأن لفظ الجلالة مشتق اختلفوا حول أصل الاشتقاق إلي آراء، أهمها:
من قال: إن الاسم الأقدس من (لَاَهَ يَليهُ) : بمعنى: (احتجب) وذلك لاحتجابه - - سبحانه وتعالى - - عن العقل والحس، فلا تراه عين ولا يحيط بذاته - تعالى - عقل، أو من (لاه يليه)، بمعنى: (ارتفع) وذلك لرفعته - تعالى - وتساميه عن المِثْل والشيبه.
قال الشاعر:
لاهِ ابنُ عَمِّك لا أفْضَلتَ في حسب... عني ولا أنتَ دَيَّاني فَتَخْزُوني
وقيل: بل من (لاه يلوه)، بمعنى: (اضطرب) وذلك لاضطراب الإفهام والعقول في معرفة ذاته - - سبحانه وتعالى - - وصفاته وأفعاله، أو من (لاه يلوه)، بمعنى: (أضاء ولمع) من قولهم: (لاه البرق) إذا لمع وأضاء وذلك لإضاءة القلوب بذكره - سبحانه وتعالى - وحين تتفكر في آلائه.
وقيل: بل مادته (أُلِهَ يأْلَهُ) بمعنى: اللجوء والركون، من قولهم: (أله إليه) إذا فزع إليه والتجأ إلى حماه، وذلك لأن الخلق يفزعون إليه - سبحانه وتعالى - في كل ما يهمهم ويعجزهم، أو بمعنى: (سكن) لأن القلوب والعقول تسكن إليه - - سبحانه وتعالى - وتطمئن لذكره. أو بمعنى: (تحيّر)، لأن القلوب والعقول تتحير في إدراك كماله وجلاله وعظمته سبحانه.


الصفحة التالية
Icon