قال ابن المنير: «ومن عقائدهم- أي الجن- إن الرشد والضلال جميعا مرادان لله تعالى بقولهم: وأنّا لا ندري «الآية» ولقد أحسنوا الأدب في ذكر إرادة الشر محذوفة الفاعل والمراد بالمريد هو الله عزّ وجلّ وإبرازهم لاسمه عند إرادة الخير والرشد فجمعوا بين العقيدة الصحيحة والآداب المليحة» وعبارة أبي حيان: «ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا: وأنا لا ندري أشرّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، فيؤمنون به فيرشدون وحين ذكروا أشرّ لم يسندوه إلى الله تعالى وحين ذكروا الرشد أسندوه إليه تعالى».
٢- وفي قوله: «وأنّا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا» فن الإيضاح وقد تقدم القول فيه وأنه حلّ للإشكال الوارد في ظاهر الكلام وهو يكون في معاني البديع من الألفاظ وفي إعرابها ومعاني النفس دون الفنون وقد ذكرنا مفصلا في آل عمران فإن الظاهر جزم الاستغناء عن الفاء وجزم الفعل تفاديا من تقدير المبتدأ قبله ولكنه عدل عمّا هو الظاهر لفائدة وهي أنه إذا فعل ذلك فكأنه قيل فهو لا يخاف فكان دالّا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره، ومن جهة ثانية فإن الجملة الاسمية أدلّ وآكد من الفعلية على تحقيق مضمون الجملة.
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ٢٠ الى ٢٨]
قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤)
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨)