بالنسبة إلينا لئلا يخرج الكلام بكثرة الألفاظ وطول الفصول عن حد البلاغة إلى إشارة يفهم منها أن عدة هذه الملائكة عدد لا يتناهى مرتبة، فاقتصر سبحانه على ذكر آخر مرتبة الآحاد من العدد وأول مرتبة العشرات منه فإن مراتب العدد أربع آحاد وعشرات ومئون وألوف، الأصول منها الآحاد وأول مرتبته فإن نهاية مرتبة الآحاد التسعة وهي عبارة عن تكرار الواحد تسع مرات ثم ينتقل إلى ذكر العشرة التي هي أول مرتبة العشرات ثم يكررها كما كرر الواحد من العشرين إلى التسعين كما فعل في المرتبة الأولى ثم ينتقل إلى مرتبة الألوف فيكررها تكرير الواحد بلفظ الآحاد وهكذا إلى غير النهاية وإذا انتهت مرتبة الألوف عاد إلى مرتبة العشرات فقال: عشرة آلاف إلى ما لا نهاية له لا يزيد على أن يضيف إلى الألف لفظ الآحاد والعشرات فيعود إلى أصول الأعداد فدلّ ذلك على أن أصول جميع الأعداد التي لا تتناهى الآحاد وهي تسعة وأول العشرات هي العشرة فالاقتصار على ذكرهما للعرب الواضعين لهذه الأسماء يشير إلى أعداد لا نهاية لها، واستغنى عن ذكر لفظتي المائة والألف لما جاء في الكلام من المثال الذي يحتذى على مثاله والأصل الذي يقاس الفرع عليه واللفظتان يعني المائة والألف عند المخاطب معروفتان والطريق في التكرير قد وضحت.
٢- في قوله: «وربك فكبر» فن طريف ابتدعه المتأخرون وأساءوا فيه، لأنه لا يأتي جيدا إلا في الندرة، أما تكلفه فيؤدي إلى إسفافه، وقد وضع له علماء البديع اسم «ما لا يستحيل بالانعكاس» وسماه بعضهم «القلب» وبعضهم الآخر سماه «المقلوب المستوي» وهو أن يكون الكلام بحيث إذا قلبته وابتدأت من حرفه الأخير إلى الحرف الأول كان الحاصل هو هذا الكلام عينه وهو قد يكون في النظم وقد يكون في النثر أما في النظم فمنه قول القاضي الأرجاني: