خبر المبتدأ (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) الواو عاطفة وما نافية ويذكرون فعل مضارع وفاعل وإلا أداة استثناء وأن يشاء الله المصدر استثناء من أعمّ الأحوال أطلق نفي الذكر ثم استثنى منه حال المشيئة المطلقة وهو مبتدأ وأهل التقوى خبره وأهل المغفرة عطف على أهل التقوى.
البلاغة:
١- في قوله تعالى «فما تنفعهم شفاعة الشافعين» فن تقدم الإلماع إليه وهو «نفي الشيء بإيجابه» وهو أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهر كلامه بشرط أن يكون المثبت مستعارا ثم ينفي ما هو من سببه مجازا والمنفي حقيقة في باطن الكلام وقد تحدثنا عنه طويلا في البقرة عند قوله لا يسألون الناس إلحافا وفي غافر عند قوله «ولا شفيع يطاع» وهنا تعريف أكثر إيضاحا وهو أن تذكر كلاما يدل ظاهره أنه نفي لصفة موصوف وهي نفي للموصوف أصلا واعتاد البلاغيون أن يمثلوا له بقول امرئ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود الديافي جرجرا
فقوله لا يهتدى لمناره أي إن له منارا إلا أنه لا يهتدى به وليس المراد ذلك بل المراد أنه لا منار له يهتدى به وهنا ليس المعنى أنهم يشفع لهم فلا تنفعهم شفاعة من يشفع لهم وإنما المعنى نفي الشفاعة فانتفى النفع أي لا شفاعة شافعين لهم فتنفعهم من باب «على لاحب لا يهتدي بمناره» أي لا منار له فيهتدي به وتخصيصهم بانتفاء شفاعة الشافعين يدل على أنه قد تكون شفاعات ينتفع بها.
٢- في قوله «كأنهم حمر مستنفرة، فرّت من قسورة» تشبيه مرسل، شبّههم بالحمر المستنفرة وفي ذلك مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل ولا ترى مثل نفار حمر الوحش واطّرادها في العدو إذا رابها رائب.


الصفحة التالية
Icon