النجدين للخير والشر وحذف المشبه وهو الخير والشر وأبقى المشبه به فإن قلت أما تشبيه الخير بالنجد وهو المرتفع من الطريق فلا غبار عليه لأنه ظاهر بخلاف الشر فإنه هبوط وارتكاس من ذروة الفطرة إلى حضيض الابتذال قلنا: إنه جمع بينهما إما على سبيل التغليب وإما على توهم المخيلة أن فيه صعودا وارتكاسا وإسفافا وهذا من أبلغ الكلام وأروعه.
٢- وفي قوله «فلا اقتحم العقبة» ترشيح للاستعارة بذكر ما يلائم المشبه وقد مرّت أمثلتها ونضيف هنا أن مبنى الترشيح تناسي التشبيه وتقوّله الادّعاء والمبالغة ولهذا كان الترشيح أبلغ من التجريد وهو ذكر ما يلائم المشبه دون المشبّه به لأن فيه اعترافا بالتشبيه حتى يبنى على علو القدر المشبه بالعلو المكاني ما يبنى على العلو المكاني كما قال أبو تمام:

ويصعد حتى يظن الجهول بأن له حاجة في السماء
استعار الصعود لعلو القدر ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان فلولا أن قصده أن يتناسى التشبيه ويصرّ على إنكاره فيجعله صاعدا في السماء لما كان لهذا الكلام وجه ثم إنهم يفعلون ذلك التناسي مع التصريح بالتشبيه والاعتراف بالأصل فمع جحد الأصل والإصرار عليه كما في الاستعارة أولى فأولى كقول العباس بن الأحنف:
هي الشمس مسكنها في السماء فعزّ الفؤاد عزاء طويلا
فلن تستطيع إليها الطلوع ولن تستطيع إليك النزولا
ولا يخفى أن هذا التناسي وقع مع الاعتراف بالأصل وهو: هي في قوله هي الشمس لأنها راجعة إلى الحبيبة وهذا واضح وجعله ضمير القصة كما توهمه بعضهم تكلف.


الصفحة التالية
Icon