تعبير سائغ مستحسن؟ إن إطلاق الماء وإضافته الى البكاء يثب بالذهن أولا الى الصورة المباشرة المعروفة للماء الذي يشرب والماء في البحار والمحيطات والأنهار ثم ماء المطر ومجرد أن تنطلق كلمة بكاء يتضاءل المعنى الأول فجأة وينكمش الى صورة جزئية هي بضع قطرات من الدمع ولكن على أية حال هناك صلة تجعل الصورة محتملة، أما ماء الملام فلا صلة البتة بين الماء والملام وإذا انطلقت كلمة ماء بمعانيها الاصلية والربطية ومعها كلمة الملام ومعانيها الربطية فلا يجمع بينهما صلة أو رابط مشترك من الصور الجزئية لذلك كان التعبير باردا مختلا لا يدل في الذهن على شيء لأنه لا صلة بين الملام والماء، أما ما احتج به الصولي من القرآن فلا يبرر ما اعتمده فإن كلمة السيئة اقترنت بكلمة الجزاء فأثارت معنى آخر مقابلا هو القصاص وقد سماه القرآن سيئة ولكن أصحاب البديع يحاولون الاستشهاد بالشاهد القرآني ليبرروا صناعة أبي تمام ومن نحا نحوه.
ووجدت للسكاكي رأيا يستهجن فيه قول أبي تمام قال فيه: «إن الاستعارة التخييلية فيه منفكة عن الاستعارة بالكناية وصاحب الإيضاح يمنع الانفكاك فيه مستندا بأنه يجوز أن يكون قد شبه الملام بظرف شراب مكروه فيكون استعارة بالكناية واضافة الماء تخييلية أو انه تشبيه من قبيل لجين الماء لا استعارة قال: ووجه الشبه ان اللوم يسكن حرارة الغرام كما أن الماء يسكن غليل الأوام، وقال الفاضل الجلبي في حاشية المطول: فيه نظر لأن المناسب للعاشق أن يدعي أن حرارة غرامه لا تسكن بالملام ولا بشيء آخر فكيف يجعل ذلك وجه شبهه» اهـ كلامه.


الصفحة التالية
Icon