موغلون في الضلال كما قال تعالى في أكثر من موضع «لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون» وقوله أيضا «ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر» وقوله «فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا» وذهاب النفس حسرة وأسفا تعبير مرموق رمقه الشعراء كثيرا فقال شاعر قديم:

فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام
لما أصابه الحزن بعد ذهاب الأحباب وتمكن من نفسه وسيطر بدمه، تخيل أنها تتناثر وتنزل من جسمه حال كونها حسرات متتابعة، وجعل النفس حسرات لامتزاجها بها فكأنها هي، أو تتساقط بعدهم لأجل الحسرات والأحزان، وذكرهم أي تذكرهم سقام لي وهو بالفتح مصدر كالسقم. وقال ابن الرومي مقتبسا هذه اللفظة البديعة في رثاء ابنه محمد وهو أوسط أولاده:
وظل على الأيدي تساقط نفسه ويذوي كما يذوي القضيب من الزند
وإنما يحمل المريض على الأيدي إذا كان صغيرا وقد مات ابنه محمد منزوفا وهو فيما بين الرابعة والخامسة.
أقول روى التاريخ أن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام لما زين له سوء عمله فرآه صوابا أو جميلا فهام في الضلال، وأطلق آمر النهي واعتنق طاعة الهوى حتى رأى الحسن قبيحا والقبيح حسنا كأنما ران عليه وسلبه عقله ولبه وتمييزه وقد رمق أبو نواس سماء هذا المعنى فقال:


الصفحة التالية
Icon