البلاغة:
انطوت هذه الآية على فنون شتى نورد أهمها فيما يلي:
١- في قوله «فقال إني سقيم» فن الرمز والإيماء وهو أن يريد المتكلم إخفاء أمر ما في كلامه فيرمز في ضمنه رمزا إما تعمية للمخاطب وتبرئة لنفسه وتنصلا من التبعة وإما ليهتدي بواسطته الى طريق استخراج ما أخفاه في كلامه وقد كان قوم إبراهيم نجّامين فأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم التنجيم على انه يسقم فقال: إني سقيم أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الأسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى فقال ذلك ليوجسوا خوفا ويتفرقوا عنه فهربوا منه الى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل، وقد يوهم ظاهر الكلام أنه ارتكب بذلك جريرة الكذب والأنبياء معصومون عنه والصحيح أن الكذب حرام إلا إذا عرض عنه وورّى، ولقد نوى ابراهيم أن من في عنقه الموت سقيم ومنه المثل: «كفى بالسلامة داء» وقال لبيد:

كانت قناتي لا تلين لغامز فألا منها الإصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ليصحني فإذا السلامة داء
يصف لبيد قوته زمن الشباب ثم ضعف حال المشيب بتتابع الأزمان عليه وانه طلب فسحة الأجل فكانت سبب اضمحلاله. والقناة الرمح استعارها لإقامته أو قوته على طريق الاستعارة التصريحية والليونة، والغمز ترشيح للاستعارة والغمز الجس باليد، ومات رجل فالتف عليه الناس وقالوا مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح من


الصفحة التالية
Icon