قال أبو حيان: فما بكت عليهم السماء والأرض استعارة لتحقير أمرهم وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء ويقال في التعظيم بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس وقال زيد بن مفزع:
الريح تبكي شجوها... والبرق يلمع في غمامه
وقال جرير:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
ولا مندوحة لنا عن أن نتناول بيت جرير بالشرح والإعراب فقد شغل النقاد كثيرا وهو من قصيدة يرثي بها عمر بن عبد العزيز وقبله:
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا... يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمرا عظيما فاضطلعت به... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
فالشمس طالعة (البيت) وقوله يا خير حكاية قول النعاة أي قائلين يا خير ويحتمل أنه من كلام الشاعر ففيه التفات، والنعي النداء بالموت، والأمر العظيم الخلافة ومشاقها وأعباؤها شبهها بالأمر المحسوس الذي يحمل على طريق الاستعارة المكنية والتحميل تخييل للاستعارة، وأمر الله شرعه، وفي هذا البيت أقوال منها أن فيه تقديما وتأخيرا وأن نجوم الليل والقمر منصوبان بكاسفة لا بقوله تبكي وتقديره ليست بكاسفة نجوم الليل ولا القمر تبكي عليك وإذا كانت غير كاسفة لغيرها من الكواكب كانت غير مضيئة فهي سوداء مظلمة والزمان كله ليل وهذا في غاية ما يكون من المبالغات في المراثي ومن أجود ما قيل في الرثاء، وطالعة خبر الشمس وليست بكاسفة خبر ثان وتبكي عليك حال أو خبر ثالث ونجوم الليل مفعول كاسفة أي لم تكسف الشمس نجوم الليل لانطماسها وقلّة ضوئها