صفة له (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الفاء الفصيحة أي إن عرفت هذه العوارف والآلاء الباهرة فسبّح، وسبّح فعل أمر وفاعله أنت وباسم متعلق بسبّح أو بمحذوف حال أي متبركا وقيل اسم مقحم والعظيم صفة لربك.
البلاغة:
١- في الآيات الآنفة الذكر فن صحة الأقسام وقد سبق ذكره في هذا الكتاب وأنه عبارة عن استيفاء المتكلم جميع الأقسام للمعنى المذكور الآخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا، فقد عدل عن لفظ الحرمان والمنع إلى لفظ هو ردفه وتابعه وهو لفظ الجعل إذ قال «أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما» وكذلك جاء لفظ الاعتداد بالماء حيث قال «لو نشاء جعلناه أجاجا» بلفظ الجعل عند ذكر الحرمان وما هو في معناه وجاء العطاء بلفظ الزرع في الحرث وفي الماء بلفظ الإنزال، فإن قيل: لم أكد الفعل باللام في قوله في الزرع: «لو نشاء لجعلناه حطاما» ولم يؤكده في الماء حيث قال: (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ؟ قلت: لأن الزرع ونباته وجفافه بعد النضارة حتى يعود حطاما فما يحتمل أن يتوهم أنه من فعل الزراع ولهذا قال سبحانه:
«أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون» أو يتوهم أن خصبه من سقي الماء وأن جفافه من حرارة الشمس وعدم السقي أو تواتر مرور الإعصار فأخبر سبحانه أنه الفاعل لذلك كله على الحقيقة وأنه قادر على جعله لو شاء حطاما في حالة نموّه وزمن شبيبته ونضارته فلما كان هذا التوهم محتملا أوجبت البلاغة توكيد فعل الجعل فيه وإسناده لزارعه على الحقيقة ومنشئه لرفع هذا التوهم، ولما كان إنزال الماء من السماء محالا بما لا يتطرق احتمال توهم متوهم أن أحدا من جميع الخلق قادر عليه لم