نعم.. قد يُنْزِلُ الله السبب بعباده، لأيِّ أمرٍ كان، فيكون غير إراديٍّ، وذلك لا يُغيِّرُ من النتيجة شيئاً، غاية ما فيه أنّ المرء لا يُؤاخذ على السبب غير الإرادي، ولا على نتائجه، لأنه لم يُباشر أيَّاً منهما. أمَّا من ناحية جعليَّةِ النتائج فالأمر سِيَّان.
وحين عاود أبناء النبي يعقوب - عليه السلام -، الرجوع إلى مصرَ مستصحبين معهم أخاهم [ بنيامين ]، خاف يعقوب على أولاده أن يُصيبهم مثل ما أصاب أخاهم يوسف، وخاصةً أخا [ يُوُسُف ] الذي ذكرناه، حتى لا تُضاف إلى فاجعته فاجعةٌ أخرى، وخاصةً بأعزِّ ولديه عنده.
فلأجل ذلك فقد أوصاهم أن يتفرقوا في الدخول إلى المدينة على أبوابها، فإِنَّ هيأتَهم معروفة، ولسانَهم كذلك، فيستبين الناظر إليهم أنَّهم أخوةٌ، ومن أوَّل وهلة.
ولما كانت الذُكُورة مرغوبةً مطلوبةً، فكثرة عدد الأخوة الذكور مدعاةٌ للحسد لا محالة !!، فعلمّهم طريقةً لإبعاد الحسد عن أنفسهم، وذلك بالتفرق على الأبواب، حتى لا تُرى في أعين الناظرين كًثْرتُهُم، فيحسدهم الحاسدون.
من جهةٍ أخرى، هم أغراب، بدلالة المَلْبَس واللسان، فقد يكون ذلك مدعاةً للريِبةِ منهم، والتخوُّفِ من نواياهم، كإحداث :
هرجٍ، أو انتهاب للمخزونات، أو أيَّ شيٍء تحذر منه الدول !.
من أجل هذا وذاك، أو أي أمرٍ آخر، قد علِمَه سيِّدنا [ يعقوب ] ولم نعلمْهُ، إذ النص لا يُشير إلى كلِّ هذا، والكل احتماليٌّ، ولا يُستبعدُ غيرُه، مادام الأمر اجتهاديَّاً... من أجل كلِّ ذلك أمرهم بالذي أمرهم به.. ومن المعلوم أنَّ الغيب بكلِّ أنواعه :
الأُخروي، أو التأريخيِّ، أو المستقبلي.
لا نقول فيه بالظنِّ، إذ أنَّ :﴿... الظنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً ﴾(١).
وجعل الله ذلك الظن مذموماً، عند فقد العلم اليقيني، حيثُ قال تعالى في الآية المتقدِّمة ذاتها :

(١) النجم / ٢٨.


الصفحة التالية
Icon