... فربَّ حاملُ فقهٍ غيرُ فقيه، وربَّ حاملُ فقهٍ الى من هو أفقه منه}(١).
ولو تتَّبعنا هذا لطال بنا المقام بلا طائل، وقد اتَّضح المقصود.
********
على أنَّ كلمة [ الظن ] قد تأتي بمعنى اليقين، فلا يلتبسَنَّ عليك الأمر.. يقول تعالى :﴿ وظنّوا ألا َّملجأ من الله إلاَّ إليه ﴾(٢).
ويقول تعالى :
﴿ وجاءهم الموجُ من كلِّ مكانٍ وظنُّوا أنَّهم أُحيط بهم ﴾(٣).
ويقول تعالى: ﴿ ورأى المجرمون النار فظنَّوا أنَّهم مواقعوها ﴾(٤).
في كلِّ تلك الآيات وردت كلمة [ الظن ] بمعنى اليقين، وذلك بدلالة الحال.
ومع كلِّ ما ذكرنا، علينا أن نعلم، أنَّ [ الظنَّ ] في العمليَّات، أي ما يُسمى [ فقهاً ]، الأخذ بهِ جائزٌ..
أ رأيت كيف أنَّ [ يعقوب ] نفسُهُ، أمر أولاده بالتفرق على الأبواب، للأسباب التي ذكرناها، وبنى على ظنِّه حُكماً ؟.
أ رأيت أنَّ أولاده حين فُوجئوا بإخراج [ الصُواع ] من رحل أحدِّهم، أرادوا دفع مُساءلة الكذب عنهم، فقالوا :
﴿ وما شهِدنا إلاَّ بما علمنا وما كنَّا للغيب حافظين ﴾.
أي : بنينا شهادتنا على غالب ظنِّنا، وهذا يُنَزَّل منزلة اليقين، ولم نقل باليقين المطلق، لأنَّ ذلك لم نحفظْهُ، فغاب عنَّا !.
ولمَّا كانت الشهادة مما يُبنى على اليقين، وهي المشاهدة، فهم لم يشهدوا أية سرقةٍ من أحدهم، ولذلك نفوا حدوثها.
ولو لم يعلموا أنَّ هذه حُجَّةً قد تنفعهُم، لما أوردوها، بل ويدلُّ ذلك على أنّ المصريين كانوا يعملون بها، ويتعاطونها.
********
ومن الناحية القانونيَّة، فإنَّ غالب أحكام القضاة تقوم على غالب الظن، ولولا هذا لما استطاع قاضٍ أن يحسم دعوى، أو يُصدر قراراً في شكوى.
(٢) التوبة / ١١٧.
(٣) يونس / ٣٢.
(٤) الكهف / ٥٣.