فما كان على هذا السبيل فهو مكروهٌ. وما كان على السبيل الذي قلنا أولاً، فلا بأس به. لأن الله تعالى قال :
﴿ وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾
ففي النوع الأوَّل معنى التعاون على البر والتقوى.
وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان ].
ثمَّ أورد أدلةً أخرى، تجدها مبسوطةً في المبسوط، ولو استوفيناها لخرجنا عن المقصود.
********
لقد أكثر الأحناف من استعمال [ الحيل ]، حتى ظنَّ الظانُّون أنهم في أحكام الدين متساهلون !!، وليس الأمر كما يُخيل للبعض، بل هو استعمالٌ للمخارج توسعةً على المكلفين، على النحو الذي بينَّاه، وليس من السهل أن يتضح الأمر لكل أحدٍ، خصوصاً بعد شيوع استعمال لفظة [ الحيلة ] في غير الممدوح من الأمور.
ومن شدة اهتمامهم بهذا الفن من فنون الفقه، وهي متنوعةٌ، فقد أفرده بالتأليف الإمام : محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ الإمام أبي حنيفة، والذي حفظ أصول مذهبه وفروعه، بكثرة مدوَّناته المتداولة، وسمَّى كتابه ذاك [ المخارج في الحيل ](١).
********
ولعلَّ من أبرز ما ورد فيه من [ حيل ]، هو ما كان معمولاً به في العراق إلى وقتٍ قريب، وذلك فيما يخص إجارة البساتين الزراعيَّة، وحسب التفصيل الآتي :
ورد أنَّ رسول الله ﷺ، نهى عن بيع الثمار قبل بُدُوِ صلاحها(٢).
ومبنى هذا الحكم هو : دفع الغرر، ومنع لحوق الضرر بأيٍّ من العاقدين، فالأشجار معرَّضةٌ لعدم الحمل أصلاً، وهي معرضة لتساقط أزهارها بعد الحمل، وقبل انعقاد الثمر.
(٢) راجع : البخاري ( البيوع ) / ٢٠٤٠، ٢٠٤٦ و ( الزكاة ) / ١٣٩ و ( المساقاة ) / ٢٢٠٧، ومسلم ( البيوع ) / ٢٨٥٦، وأحمد ( مسند المُكثرين ) / ٨٦٥٦.