فى تفصيل طويل المعاني التى احتواها القرآن والتى يستحيل. ص _٠٢٤
بالبراهين الحاسمة- أن تصدر عن بشر، وأحمى جملة الشبه التى يمكن أن تخطر ببال أى متردد مرتاب، ثم أجهز عليها. ومضى يستعرض ما يقوله المستقصى فى طلب الحقيقة وبسط الإجابة فى أدب وفقه، واسمع الى هذا البيان: "فإن قال: قد تبينت الآن أن سكوت الناس عن معارضة القرآن كان عجزاً. وأنهم وجدوا فى طبيعة القرآن سراً من أسرار الإعجاز يسمو به عن قدرتهم، ولكنى لست أفهم أن ناحيته اللغوية يمكن أن تكون من نطاق هذا السر، لأني أقرأ القرآن فلا أجده يخرج عن معهود العرب فى لغتهم العربية. فمن حروفهم ركبت كلماته، ومن كلماتهم ألفت جمله وآياته، على مناهجهم فى التأليف جاء تأليفه. فأى جديد فى مفردات القرآن لم تعرفه العرب من موادها وأبنيتها، وأى جديد في تركيب القرآن لم يعرفه العرب من طرائقها، ولم تأخذ به فى مذاهبها حتى نقول: إنه قد جاءهم بما فوق طاقتهم اللغوية. قلنا له: أما أن القرآن الكريم لم يخرج فى لغته عن سنن العرب فى كلامهم إفراداً وتركيباً فذلك فى جملته حق لا ريب فيه، وبذلك كان أدخل فى الإعجاز وأوضح فى قطع الأعذار " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ". فهل ذهب عنك أن مثل صنعة البيان كمثل صنعة البنيان. فالمهندسون البناءون لا يخلقون مادة بناء لم تكن فى الأرض، ولا يخرجون فى صنعتهم عن قواعدها العامة، ولا يعدو ما يصنعونه أن يكون جدراناً مرفوعة، وسقفا موضوعة، وأبواباً مشرعة. ولكنهم تتفاضل صناعتهم وراء ذلك فى اختيار أمتن المواد، وأبقاها على الدهر، وأكنها للناس من الحر و القر، وفى تعميق الأساس، وتطويل البنيان، وتخفيف المحمول منها على حامله، والانتفاع بالمساحة اليسيرة فى المرافق الكثيرة، وترتيب الحجرات والأبهاء بحيث يتخللها الضوء والهواء. فمنهم من يفى بذلك كله، أوجله، ومنهم من يخل بشىء منه أو أشياء. إلى فنون من الزينة