( القرآن مدهش.. من أى وجه كان !! ) وكتب السيد هبة الدين الحسينى رسالة جيدة فى اعجاز القرآن لخصها الأستاذ عيسى صباغ فى هاتين النظرتين: يقول الشيخ هبة الدين: لا ريب أن القرآن قد أدهش نوابغ العرب، وأخرس شقشقة البلغاء فى عصره. ولكن: ألأسلوبه الرائق، ولفظه الريق، ونظامه العجيب؟ أم لبدائع معانيه الجذابة، وعظمة مبادئه، ولطائف أمثاله فيه؟ لا نعلم.. وإنما نعلم أنه أدهش ويدهش العربى العارف.. وربما كان أثره فى العامة من النواحى الأولى، وفى الخاصة من النواحى الأخرى، كما أثر بأنبائه الغريبة، وبأسرار فى إشاراته واستعاراته فى الأجيال السائرة. أجل، هذا القرآن مدهش من أى وجه كان، وآية عبقريته ساطعة، وقد استعان به منقذ العرب بعد ما غدوا سكارى بخمرته، فأحيا ذكرهم، وأصلح أمرهم، وأدبهم كما شاء وشاءت المصلحة، و استخرجهم من ظلمة العادات القاسية الى ضياء عيشة راضية. ثم استخدم أولئك المهتدين بأنوار القرآن كألسنة لدعوة الأمم، وسيوف لإدانة العالم. ويستطرد الى بيان ميزة القرآن بين المعجزات، فيقول بأسلوبه السهل البليغ: "إن أكبر ميزة فى القرآن- وهى التى وضعته فوق المعجزات كلها- هى أنه مجموعة فصول ليست سوى صبابة أحرف عربية.. من أيسر أعمال البشر، وقد فاقت مع ذلك عبقرية كل عبقرى.. فلم يخلق رب الإنسان للإنسان عملا- بعد التفكر- أيسر لديه من الكلام ". وكلما كان العمل البشرى أيسر صدوراً، وأكثر وجوداً، قل النبوغ فيه وصعب افتراض الإعجاز والإعجاب منه. هذا. ونرى الناس فى عهدنا مطبوعين على استحباب الشهرة والأثرة وطلب التفاضل والتفاخر فإذا رأوا أحدهم يبغى التفوق عليهم بصناعته، اندفعوا بكل قواهم الى مباراته، وجادوا لكى يأتوا بخير منه. وقد فطر البشر على مثل هذا الشعور.. والشعب العربى المعاصر للنبى صلى الله عليه وسلم، كان ولا ريب، منطويا على هذا الشعور تماماً. ص _٠٣٠