والتقاط آخر ما تختلقه اللجاجة من شبهات وتعلات، ثم الكر عليها بالحجج الدامغة حتى تبقى النفس وليس أمامها مفر من الخضوع للحق والاستكانة لله. وعندى أن قدرا كبيرا من إعجاز القرآن الكريم يرجع الى هذا. فما أظن إمرأً سليم الفكر والضمير يتلو القرآن أو يستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به. قد تقول: وَلِم يتأثر به؟ والجواب أنه ما من هاجس يعرض للنفس الإنسانية- من ناحية الحقائق الدينية- إلا ويعرض القرآن له بالهداية وسداد التوجيه. ما أكثر ما يفر المرء من نفسه، وما أكثر الذين يمضون فى سبل الحياة هائمين على وجوههم، ما تمسكهم بالدنيا إلا ضرورات المادة فحسب. إن القرآن الكريم بأسلوبه الفريد يرد الصواب الى أولئك جميعاً، وكأنه عرف ضائقة كل ذى ضيق، وزلة كل ذى زلل، ثم تكفل بإزاحتها كلها، كما يعرف الراعى أين تاهت خرافه، فهو يجمعها من هنا وهناك، لا يغيب عن بصره ولاعن عطفه واحد منها. وذاك سر التعميم فى قول الله عز وجل :" ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ". حتى الذين يكذبون بالقرآن ويرفضون الاعتراف بأنه من عند الله. إنهم يقفون منه مثلما يقف الماجن أمام أب ثاكل، قد لا ينخلع من مجونه الغالب عليه، ولكنه يؤخذ فترة ما بصدق العاطفة الباكية. أو مثلما يقف الخلى أمام خطيب يقذر بالصدق، ويحدث العميان عن اليقين الذى يرى ولا يرون. إنه قد يرجع مستهزئا، ولكنه يرجع بغير النفس، التى بها جاء. والمنكرون من هذا النوع لا يطعنون فى التأثير النفساني للقرآن الكريم. كما أن العميان لا يطعنون فى قيمة الأشعة، ولذا يقول عز وجل: " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد". ص _٠٠٧