برودة الإلف، وطول المعرفة، فإذا كتاب تتعرى أمامه النفوس، وتنسلخ من تكلفها وتصنعها، وتنزعج من ذهولها وركودها، وتجد نفسها أمام الله جل شأنه يحيط بها ويناقشها ويعلمها ويؤدبها، فما تستطيع أمام صوت الحق المستعلى العميق إلا أن تخشع وتصيخ. وكما قهر القرآن نوازع الجدل فى الإنسان وسكن لجاجته. تغلب على مشاعر الملل فيه، وأمده بنشاط لا ينفد. ص _٠٠٩
والجدل غير الملل، هذا تحرك ذهنى قد يجسم الأوهام، ويحولها الى حقائق، وذاك موات عاطفى قد يجمد المشاعر، فما تكاد تتأثر بأخطر الحقائق. وكثير من الناس يصلون في حياتهم العادية الى هذه المنزلة من الركود العاطفى، فتجد لديهم بروداً غريباً بإزاء المثيرات العاصفة، لا عن ثبات وجلادة، بل عن موت قلوبهم، وشلل حواسهم..!! ونحن نعرف هذه الحالة فى طباع الناس، ونحاول علاجها بألوان المثيرات التى لا تخطر ببال. خذ مثلا عاطفة الحب الجنسى، إن هذه العاطفة مع ارتباطها بأعتى الغرائز الانسانية لم تترك للون واحد من المنشطات المادية والأدبية، بل تسابق الشعراء والمغنون، والملحنون والموسيقيون لمداعبة النفس الإنسانية بألوان من الغناء واللحن والعزف تفوق الحصر. فمن لم تعجبه أغنية هاجته أخرى، ومن استغلق فؤاده أمام لحن انفتح أمام لحن آخر، ومن طال به الإلف فهدأ، اخترعت له فنون أخرى تثير الهامد من إحساسه، وهكذا. وفى أغلب الآفاق المادية المعنوية يحسب لملال الإنسان وكلاله حساب دقيق، وتؤخذ الحيطة له كى لا يقف بالمرء فى بدايات الطريق...!!! والقرآن الكريم فى تحدثه للنفس الإنسانية حارب هذا الملل، وأقصاه عنها إقصاء، وعمل على تجديد حياتها بين الحين والحين حتى إنه ليمكنها أن تستقبل فى كل يوم ميلاداً جديداً: "وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ". وإحداث الذكر هو تجديد معنويات الإنسان كلما صدئت على طول التعب ومس الذهول. وأسلوب القرآن فى هذا المجال


الصفحة التالية
Icon