و ﴿يوم الدين﴾ ظرف مضاف إلى ما قبله على طريق الاتساع، وأُجري الظرف مجرى المفعول به، والمعنى على الظرفية، أي : الملك في يوم الدين، أو ملك الأمر يوم الدين، فيكون فيه حذف. وقد رُويت القراءتان - أي : القصر والمد - عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد قرئ ﴿ملك﴾ بوجوه كثيرة تركنا ذكرها لشذوذها. فإن قيل : ملك ومالك نكرة ؛ لأن إضافة اسم الفاعل لا تُخصص، وكيف يُنعت به ﴿الرحمان الرحيم﴾ وهما معرفتان ؟ قلت : إنما تكون إضافةُ اسم الفاعل لا تخصص إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ؛ لأنها حينئذٍ غيرُ مَحْضَةٍ، وأما هذا فهو مستمر دائماً، فإضافته محضة. قاله ابن جُزَيّ.
يقول الحقّ جلّ جلاله مُعلَّماً لعباده كيف يُثْنُونَ عليه ويعظمونه ثم يسألونه : يا عبادي قولوا ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ أي : الثناء الجميل إنما يستحقه العظيم الجليل، فلا يستحق الحمدَ سواه، إذ لا منعم علىالحقيقة إلا الله، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النّحل : ٥٣]. أو جميعُ المحامدِ كلُّها لله، أو الحمدُ المعهودُ في الأذهان هو حمدُ الله تعالى نفسَه في أزله، قبل أن يُوجِدَ خلقّه، فلما أوجد خلقه قال لهم : الحمد لله، أي : احْمَدُوني بذلك المعهود في الأزل.
٢٨
وإنما استحق الحمد وحده لأنه ﴿ربّ العالمين﴾، وكأن سائلاً سأله : لم اختصصت بالحمد ؟ فقال : لأني ربُّ العالمين، أنا أوجدتُهم برحمتي، وأمددتهم بنعمتي، فلا منعم غيري، فاستحققت الحمد وحدي، مِنِّي كان الإيجاد وعليَّ توالي الإِمْدَاد، فأنا ربُّ العباد، فالعوالم كلها - على تعدد أجناسها واختلاف أنواعها - في قبضتي وتحت تربيتي ورعايتي.


الصفحة التالية
Icon