قال رجل بين يدي الجنيد :﴿الحمد لله﴾ ولم يقل :﴿رب العالمين﴾، فقال له الجنيد : كَمِّلْهَا يا أخي، فقال الرجل : وأيّ قَدْر للعالمين حتى تُذكر معه ؟ ! فقال الجنيد : قُلها يا أخي ؛ فإن الحادث إذا قُرن بالقديم تلاشى الحادُ وبقي القديم. يقول سبحانه :" يا مَن هو مني قريب، تَدبر سِرِّي فإنه غريب أنا المحبُ، وأنا الحبيب، وأنا القريب، وأنا المجيب، أنا الرحيم الرحمن، وأنا الملك الديّان، أنا الرحمن بنعمة الإيجاد، والرحيمُ بتوالي الإمداد. منِّي كان الإيجاد، وعليَّ دوام الإمداد، وأنا رب العباد، أنا الملك الديَّان، وأنا المجازي بالإحسان على الإحسان، أنا الملك
٣٢
على الإطلاق، لولا جهالة أهل العناد والشقاق، الأمر لنا على الدوام، لمن فهم عنا من الأنام ". قال في الرسائل الكبرى : لا عبرة بظواهر الأشياء، وإنما العبرة بالسر المكنون، وليس ذلك إلا بظهور أمر الحق وارتفاع غَطَائه وزوال أستاره وخفائه، فإذا تحقق ذلك التجلّي والظهور، واستولى على الأشياء الفناءُ والدُّثُور، وانقشعت الظلمات بإشراق النور، فهناك يبدو عينُ ويَحِقُّ الحق المبين، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين، كما يفهم العامة بطلان ذلك في يوم الدين، حين يكون الملك لله رب العالمين، وليت شعري أيُّ وقت كان الملكُ لسواه حتى يقع التقييد بقوله :﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الحَجّ : ٥٦]، وقوله :﴿وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفِطار : ١٩] ؟ ! لولا الدعاوَى العريضة من القلوب المريضة. هـ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٤


الصفحة التالية
Icon