أو : يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين، وكانوا ثلاثة أمثالهم، ليثبتوا لهم، ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم الله بقوله :﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ...﴾ [الأنفَال : ٦٥] الآية. ﴿والله يؤيد﴾ أي : يقوي ﴿بنصره من يشاء﴾ نصره، كما أيد أهل بدر، ﴿إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار﴾ المفتوحة. وذلك حين نصر الله قوماً لا عدد لهم ولا عدة، على قوم لهم عدد وعدة، فلم تغن عنهم من الله شيئاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٣
الإشارة : إذا توجه القلب إلى مولاه تعرض له جندان، أحدهما : جند الأنوار، وهو جند القلب، والثاني : جند الأغيار، وهو جند النفس، فيلتحم بينهما القتال، فجند الأنوار يريد أن يرتقي بالروح إلى وطنها ؛ وهو حضرة الأسرار، وجند الأغيار يريد أن يهبط بالنفس إلى أرض الحظوظ والشهوات، فيحبسها في سجن الأكوان، فإذا أراد الله تعالى سعادة عبد، قوي له جند الأنوار، وضَعَّفَ عنه جند الأغيار، فينهزم عنه جند الأغيار، ويستولي على قلبه جند الأنوار، فلا تزال انوار تتوارد عليه حتى تشرق عليه أنوار المواجهة، فيدخل حضرة الأسرار، وهي حضرة الشهود، ويتحصن في جوار الملك الودود، وتناديه ألسنة الهواتف : أيها العارف، قل للذين كفروا، وهم جند الأغيار : ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد. وإذا أراد الله خذلان عبده، بعدله، قطع عنه مدد الأنوار، وقوي لديه جند الأغيار، فتستولي ظلمة النفس على نور القلب، فتحبسه في سجن الأكوان، وتسجنه في ظلمة هيكل الإنسان، ﴿والله يؤيد بنصره من يشاء﴾. ففي التقاء جندي الأنوار والأغيار عبرة لأولي الأبصار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٣
٢٩٤


الصفحة التالية
Icon