فانظر : كيف ذكر الحقّ - جلّ جلاله - أدنى النعيم وأوسطه وأعلاه ؟ فأدناه : متاع الدنيا الذي زُين للناس، وأوسطه : نعيم الجنان، وأعلاه : رضي الرحمن، وفي الحديث الصحيح عنه ﷺ :" يَقُولُ الله تعالى لأهِلْ الْجنَّةِ : يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فيقول أهْلَ الجَنَّةِ : لَبْيكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكِ، والخير في يديك، فيقول : هَلْ رضِيتُم ؟ فَيَقُولُونَ : مَالنَا لاَ نَرْضى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا ما لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ العالمين، فَيَقُولُ : ألا أعْطِيكُم أَفْضَلَ من ذلك ؟ فيقُولون : يا ربنا، وأيُّ شَيء أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قال : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رَضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُم َبَداً ". ﴿والله بصير بالعباد﴾ ؛ لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، فيثيب المحسن، ويعاقب المسيء، أو :﴿بصير﴾ بأحوال المتقين.
﴿الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار﴾. وفي ترتيب السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كاف في استحقاق المغفرة والاستعداد لها.
ثم وصف المتقين بقوله :﴿الصابرين﴾ على أداء الأمر واجتناب النهي، وفي البأساء والضراء وحين البأس، ﴿والصادقين﴾ في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فاستوى سرهم
٢٩٧
وعلانيتهم، ﴿والقانتين﴾ أي : المطيعين، ﴿والمنفقين﴾ أموالهم في سبيل الله، ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ ؛ لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة ؛ لأن العبادة حينئذٍ أشق، والنفس أصفى، والروح أجمع، وَلاَ سيما للمتهجدين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٧


الصفحة التالية
Icon