﴿... هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ قلت :﴿هدى﴾ خبر عن مبتدأ مضمر، أو مبتدأ بتقديم الخبر. أي : هو هاد للمتقين، أو فيه الهدى لهم. والهدى : هو الإرشاد والبيان، ومعناه : الدلالة الموصلة إلى الحق. والمتقي : من جعل بينه وبين مقت الله وقاية، وله ثلاث درجات :
* حفظ الجوارح من المخالفات،
* وحفظ القلوب من المساوئ والهفوات،
* وحفظ السرائر من الوقوف مع المحسوسات،
فالأولى لمقام الإسلام، وإليه توجه الخطاب بقوله :﴿فَاتَقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التّغَابُن : ١٦]، والثانية لمقام الإيمان، وإليه توجه الخطاب بقوله :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [المَائدة : ١٠٠]، والثالثة لمقام الإحسان، وإليه توجه الخطاب بقوله :﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عِمرَان : ١٠٢].
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ذَلِكَ الكِتَابُ﴾ الذي لا يقرب ساحتَه شكٍّ ولا ارتياب، هو عين الهداية لأهل التقى من ذوي الألباب، فلا يزالون يَتَرَقَّوْنَ به في المقامات والأحوال حتى يسمعوه من الكبير المتعال، بلا واسطة تبليغ ولا إرسال، قد انمحت في حقهم الرسوم والأشكال، وهذه غاية الهداية، وتحقيق سابق العناية.
قال جعفر الصادق :(والله لقد تجلّى الله تعالى لخلقه في كلامه ولكن لا يشعرون).
وقال أيضاً - وقد سألوه عن حالة لحقَته في الصلاة حتى خرّ مغشيّاً عليه، فلما سُرِّيَ عنه، قيل له في ذلك فقال :(ما زلت أرددت الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٢
فدرجات القراءة ثلاث :
أدناها : أن يقرأ العبد كانه يقرأ على الله تعالى واقفاً بين يديه، وهو ناظر له ومستمع منه، فيكون حاله السؤال والتملق والتضرّع والابتهال.
والثانية : أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يخاطبه بألفاظه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم، والإصغاء والفهم.


الصفحة التالية
Icon