ولما سمع البشارة هزَّه الفرحُ فقال : يا ﴿رب أنى يكون لي غلام﴾ أي : من أين يكون لي غلام ؟ ! قاله استعظاماً أو تعجباً أو استفهاماً عن كيفية حدوثه. هل مع كبر السن والعقم، أو مع زوالهما. ﴿وقد بلغني الكبر﴾، وكان له تسع وتسعون سنة، وقيل : مائة وعشرون، ﴿وامرأتي عاقر﴾ لا تلد، ولم يقل : عاقرة، لأنه وصف خاص بالنساء. قال له جبريل :﴿كذلك الله يفعل ما يشاء﴾ من العجائب والخوارق، فيخلق الولد من العاقر والشيخ الفاني، أو الأمر كذلك، أي : كما أخبرتك، ثم استأنف :﴿الله يفعل ما يشاء﴾.
ولما تحقق بالبشارة طلبَ العلامةَ، فقال :﴿رب اجعل لي آية﴾ أعرف بها حمل المرأة، لاستقبله بالبشاشة والشكر، ﴿قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام﴾ أي : لا تقدر على كلام الناس ثلاثاً، فحبس لسانه عن الكلام دون الذكر والشكر، ليخلص المدة للذكر والشكر، ﴿إلا رمزاً﴾ بيدٍ أورأس أو حاجب أو عين. ﴿واذكر ربك كثيراً﴾ في هذه المدة التي حبِسْتَ فيها عن الكلام، وهو يُبين الغرض من الحبس عن الكلام. وتقييد الأمر بالكثرة يدل على أنه لا يفيد التكرار. ﴿وسبّح بالعشي﴾ أي : من الزوال إلى الغروب، أو من العصر إلى جزء الليل، ﴿والإِبكار﴾ ؛ من الفجر إلى الضحى، وقيل : كانت صلاتهم ركعتين في الفجر وركعتين في المغرب، ويؤيد هذا قوله تعالى في الآية الأخرى :﴿فَأْوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ [مريم : ١١]. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon