يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن مثل عيسى عند الله﴾ أي : إن شأنه الغريب في كونه وجد من غير أب ﴿كمثل آدم﴾. ثم فسر شأن آدم فقال :﴿خلقه من تراب﴾ أي : خلق قالبه من تراب، ﴿ثم﴾ نفخ فيه الروح، و ﴿قال له كن فيكون﴾ أي : فكان، فشأنه أغرب من شأن عيسى، لأنه وجد من غير أب ولا أم، بخلاف عيسى عليه السلام، فلا يستغرب حاله ويتغالى فيه إلا من طبع الله على قلبه، فاستعجز القدرة الإلهية، ﴿وكان الله على
٣٢٦
كل شيء مقتدراً﴾
. هذا هو ﴿الحق من ربك فلا تكن من الممترين﴾ أي : الشاكين في مخلوقيته، وهذا خطاب للنبيّ ﷺ، على طريق التهييج لغيره، أو لكل سامع.
وسبب نزول الآية : أنَّ وفد نجران قالوا للنبيّ ﷺ : مالك تشتم صاحبنا، فتقول : إنه عبد ؟ قال : أجل، هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذارء البتول، فغضبوا، وقالوا : هل رأيت إنساناً قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله. فنزلت :﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾. أي : فهو أعجب من عيسى، لكونه بلا واسطة أصلاً. رُوِيَ أن مريم حملت بعيسى وهي بنت ثلاث عشر سنة، وأوحى الله إليه على رأس ثلاثين سنة، ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وعاشت أمه بعد رفعه ست سنين.


الصفحة التالية
Icon