يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فمن﴾ خاصمك يا محمد في شأن عيسى عليه السلام، وكان الذي خاصم في ذلك السيد والعاقب، لما قدموا مع نصارى نجران على النبيّ ﷺ، قال لهما النبيّ ﷺ :" أسلما "، قالا : قد أسلمنا قبلك، قال :" كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما عيسى لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير "، قالا : إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن أبوه ؟ فقال لهما النبيّ صلىالله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا : بلى، قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى، قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيِّم كل شيء، ويحفظه، ويرزقه ؟ قالوا : بلى، قال : فهل ملك عيسى شيئاً من ذلك ؟ فقالوا : لا. قال : ألستم تلعمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى، قال : فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما عُلِّم ؟ قالوا : لا. قال : فإن ربنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدث، قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذِّي كما يُغَذّى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا : بلى. قال : كيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا ". فأنزل فيهم السورة إلى هنا.
فقال الحقّ لنبيه - عليه الصلاة والسلام - :﴿فمن حاجّك فيه﴾ أي : في عيسى من النصارى، ﴿من بعد ما جاءك من العلم﴾ بعبوديته، ﴿فقل﴾ لهم :﴿تعالوا﴾ نَتَلاَعَنُ، أي : نلعن الكاذبَ منا ؛ ﴿ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾ أي : يدعون كل واحد منا نفسه وأعزّة أهله وألصفهم بقلبه إلى المباهلة، وإنما قدَّمهم على
٣٢٨
النفس ؛ لأن الرجل يخاطر بنفسه دونهم، فكان تقديمهم أبلغ في الابتهال، ﴿ثم نبتهل﴾، أي نجهد في الدعاء على الكاذب، ﴿فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾.


الصفحة التالية
Icon