يقول الحقّ جلّ جلاله : للنصارى واليهود، لمَّا اختصموا إلى النبيّ ﷺ، وادعوا أن كل واحد على دين إبراهيم، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام :" كِلاكما بَرِيءٌ مِنْ دِينه، وأنا على دِينه، فخذوا به "، فغضبوا، وقالوا : والله لا نرضى بحكمك ولا نأخذ بدينك، فقال لهم الحقّ جلّ جلاله - منكراً عليهم - : أفتبغون غير دين الله الذي ارتضاه لخليله وحبيبه، وقد انقاد له تعالى ﴿من في السماوات والأرض﴾ طائعين ومكرهين، فأهل السموات انقادوا طائعين، وأهل الأرض منهم من انقاد طوعاً بالنظر واتباع الحجة أو بغيرها، ومنهم من انقاد كرهاً أو بمعاينة ما يُلجئ إلى الإسلام ؛ كنتق الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت، أو :" طوعاً " كالملائكة والمؤمنين، فإنهم انقادوا لما يراد منهم طوعاً، ﴿وكرهاً﴾ كالكفار فانقادوا لما يراد منهم كرهاً، وكلٍّ إليه راجعون، لا يخرج عن دائرة حكمه، أو راجعون إليه بالبعث والنشور. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الدين الحقيقي هو الانقياد إلى الله في الظاهر والباطن، أما الانقياد إلى الله في الظاهر فيكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، وأما الانقياد إلى الله في الباطن فيكون بالرضى بحكمه والاستسلام لقهره. فكل من قصَّر في الانقياد في الظاهر، أو تسخط من الأحكام الجلالية في الباطن، فقد خرج عن كمال الدين، فيقال له : أفغير دين الله تبغون وقد انقاد له ﴿من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً﴾، فإما أن تنقاد طوعاً أو ترجع إليه كرها. وفي بعض الآثار يقول الله تبارك وتعالى :" منْ لم يَرْضَ بقضائي ولم يَصْبِرْ على بَلائِي، فليخرجْ من تحت سَمَائي، وليتخذْ ربّاً سِوَاي ". وسبب تبرّم القلب عن نزول الأحكام القهرية مرضُه وضعف نور يقينه، فكل من استنكف عن صحبة الطبيب، فله من هذا العتاب حظ ونصيب، فالأولياء حجة الله على
٣٤١