يقول الحقّ جلّ جلاله : لرجال من الأنصار ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، منهم الحارث بن سويد الأنصاري :﴿ومن﴾ يطلب ﴿غير الإسلام ديناً﴾ يتدين به ﴿فلن يُقبل منه﴾ أبداً، ﴿وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ ؛ لأنه أبطل الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها، واستبدلها بالتقليد الرديء، بعد أن عاين سواطع البرهان، وشهدت نفسه بالحق والبيان، ولذلك وقع التعجب والاستبعاد من هدايته فقال :﴿كيف يهدي الله قوماً كفروا﴾ بعد أن آمنوا، ﴿وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات﴾ أي : المعجزات الواضحات، فإن الحائد عن الحق بعدما وضح، منهمك في الضلال، بعيد عن الرشاد، فقد ظلم نفسه وبخسها، ﴿والله لا يهدي القوم القوم الظالمين﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر، ووضعوا الكفر موضع الإيمان، ولعل هذا في قوم مخصوصين سبق لهم الشقاء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٢
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿أولئك﴾ المرتدون عن الإسلام - ﴿جزاؤهم﴾ : أن تلعنهم الملائكة والناسُ أجمعون، مؤمنُهم وكافرهم، لأن الكافر يلعنُ من ترك دين الحق، وإن كان لا يشعر بمن هو على الحقّ. ﴿خالدين﴾ في اللعنة، أو في النار، لدلالة السياق عليها، أو في العقوبة. ﴿لا يخفّف عنهم العذاب﴾ ساعة، ولا هم يُمهلون عنها لحظة.
ثم إنَّ الحارث نَدِم، وأرسل إلى قومه أن اسألوا الرسول ﷺ، هل لي من توبة ؟
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٢
يقول الحقّ جلّ جلاله : إلا مَن تاب من بعد الردة، فأسلم وأصلح ما أفسد، ﴿فإن الله غفور﴾ له فيما فعل، ﴿رحيم﴾ به حيث تاب.
ولمّأ نزلت الآية حملها إليه رجلٌ من قومه وقرأها عليه، فقال الحارث : إنك ولله فيما علمت لصدوق، وإن النبيّ ﷺ لأصدق منك، وإن الله - تعالى - لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة، فأسلم وحَسُن إسلامُه.