والمراد بأهلها : العارفون بالله، أهلُ الفناء والبقاء، أهل الجذب والسلوك، أهل السكر والصحو، الذين شربوا الخمر فسكروا ثم صحوا وتكملوا، فمعدنُ الخصوصية عند هؤلاء، فكل من لم يصحبهم ولم يشرب من خمرتهم، لا يُقتدى به، ولو بلغ من الكرامة ما بلغ، وأخسرُ مِنْ صحب أهل هذه الخمرة، وشهد بأن طريقهم حق، ثم رجع عنها، فهذا مغبون ملعون عند كافة الخلق، أي : مطرود عن شهود الحق، إلا مَن تاب ورجع إلى صحبتهم والأدب معهم، فإن الله غفور رحيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الذين﴾ ارتدوا عن الإيمان ﴿ثم ازدادوا﴾ في الكفر، وقالوا : نتربص بمحمد ريب المنون، ﴿لن تقبل توبتهم﴾ أي : لا توبة لهم فتقبل، لأنه سبق لهم الشقاء، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند الغرغرة، أو ﴿لن تقبل توبتهم﴾ ما داموا على كفرهم. ﴿وأولئك هم الضالون﴾ المنهمكون في الضلالة.
قيل : نزلت في أصحاب الحارث بن سويد المتقدم، وكانوا أحد عشر رجلاً، لما رجع الحارثُ قالوا : نقيم بمكة على الكفر ما بَدا لنا، فمتى أردنا الرجعة رجعنا، فلما افتتح النبيّ ﷺ مكة، دخل في الإسلام بعضُهم، فقُبلت توبته، وبقي من بقي على كفره، فنزلت الآية فيهم. وقيل : نزلت في اليهود، كفروا بعيسى بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد ﷺ، وقيل : نزلت في النصارى كفروا بمحمد ﷺ بعد إيمانهم بعيسى، ﴿ثم ازدادوا كفراً﴾ بإصرارهم عليه. وقيل : نزلت في الفريقين معاً، كفرا بنبينا محمد ﷺ بعد إيمانهم به قبل ظهوره، ﴿ثم ازدادوا كفراً﴾ بتمردهم فيه، وتماديهم على المعاصي. والله تعالى أعلم.