ولمّا كانت اليهود لا تحجُّ بيت الله الحرام، الذي بناه خليل الله إبراهيم عليه السلام، مع زعمهم أنهم على ملته، ردَّ الله تعالى عليهم بقوله :﴿إن أول بيت...﴾ الخ، وقيل : تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل ؛ لأنه مهاجر الأنبياء، وقال المسلمون : الكعبة أفضل ؛ لأنه أول بيت وضع في الأرض.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٧
قلت :﴿بكة﴾ : لغة في مكة، والعرب تعاقب بين الباء والميم، تقول : ضربة لازم ولازب، وأغبَطَتْ عليه الحُمِّى وأغْمَطَتْ، وقيل :﴿مكة﴾ بالميم : اسم للبلد كله، وبكة : اسم لموضع البيت، سميت بذلك ؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة - أي : تدقها - فما قصدها جبَّار بسوء إلا قصمه الله. و ﴿مباركاً﴾ : حال من الضمير في المجرور، والعامل فيه الاستقرار، أي : الذي استقر ببكة مباركاً، و ﴿مقام إبراهيم﴾ : مبتدأ، والخبر محذوف، أي : منها مقام إبراهيم، أو بدل من ﴿آيات﴾، بدل البعض من الكل، أو عطف بيان، على أن المراد بالآيات : أثر القدم في الصخرة الصمَّاء، وغوصُوها فيها إلى الكعبين،
٣٤٨
وتخصيصُها بهذه المزيَّة من بين الصخور، وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء، وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة، فكان مقام إبراهيم، وإن كان مفرداً، في قوة الجمع، ويدل عليه أنه قرئ ﴿آية﴾ : بالتوحيد.
وقيل :﴿الآيات﴾ : مقام إبراهيم، وأمْنُ من دخله، فعلى هذا يكون :﴿ومن دخله﴾، عطفاً على ﴿مقام﴾، وعلى الأول : استئنافاً. و ﴿حج البيت﴾ مبتدأ، و ﴿لله﴾ : خبر، والفتح لغة الحجاز، والكسر لغة نجد، و ﴿من استطاع﴾ : بدل من ﴿الناس﴾، وقيل : فاعل.


الصفحة التالية
Icon