الإشارة : قد وضع الله للناس بيتين : أحدهما حسي، وهو الكعبة، والآخر معنوي، وهو القلب، الذي هو بيت الرب، فما دام بيت القلب خالياً من نور الرب اشتاق إلى حج البيت الحسي، فإذا تعمر البيت بنور ساكنه، صار قبلة لغيره، واستغنى عن الالتفات إلى غير نور ربه، بل صار كعبة تطوف به الواردات والأنوار، وتحفه المعارف والعلوم والأسرار، ثم يصير قطب دائرة الأكوان، وتدور عليه من كل جانب ومكان، فكيف يشتاق هذا إلى الكعبة الحسية، وقد طافت به دائرة الوفود الكونية ؟ ولله در الحلاج رضي الله عنه حيث قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٨
يَا لاَئِمِي لا تَلُمْني في هواه فَلَوْ
عايَنْتَ منه الذي عاينْتَ لم تَلُمِ
للنَّاسِ حجٍّ ولي حجٍّ إلى سَكَنِي
تُهْدَى الأضَاحِي، وأُهْدِي مُهْجِتِي ودَمِي
يطوفُ بالبيت قومٌ لا بجارحةٍ،
بالله طافوا فأغنَاهم عن الحَرَمِ
في هذا البيت آيات واضحات، وهو إشراق شموس المعارف والأنوار، في فضاه سماء الأرواح والأسرار، وسطوع أنوار قمر التوحيد في أرض التجريد والتفريد، وظهور أنوار نجوم العلم والحِكم، في أفق سماء ارتفاع الهمم، فهذا كان مقام إبراهيم، إما الموحدين، فمن دخله كان آمناً من الطرد والبعاد إلى يوم الدين، ومن كفر وجوده ؛ فإن الله غني عن العالمين.
قال في الحاشية في قوله :﴿ومَنْ دَخَلَه كان آمناً﴾، قيل : وهكذا من دخل في قلب وليٍّ من أوليائه، فإن قلب العارف حرم المراقبات والمشاهدات. هـ. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٨
قلت :﴿تبغونها﴾ : جملة حالية من الواو، أي : لِمَ تصدون عن السبيل باغين لها عوجاً. والعوج - بالكسر - في الدين والقول والعمل -، وبالفتح - في الجدار والحائط وكل شخص قائم.
٣٥٠


الصفحة التالية
Icon