يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، الخطاب عامٌ، والمراد : نفر من الأوس والخزرج، ﴿إن تُطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب﴾، وهو شاسُ بن قيس اليهودي، كان شيخاً كبيراً، وكان عظيمَ الكفر شديد الضغن على المسلمين، مرَّ بنفر من الأوس والخزرج، جلوساً يتحدثون، وكان بينهما عداوة في الجاهلية، فغاظه تآلفهم واجتماعهم، وقال : قد اجتمع ملأ بني قَيْلَة بهذه البلاد، فما لنا معهم قرار، فأمر شاباً من اليهود أن يجلس بينهم ويُذكِّرهم يوم بعاث - وهو يوم حرب كان بينهم في الجاهلية - ويُنشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفرُ في ذلك اليوم للأوس، ففعل، وتنازع القوم
٣٥١
وتفاخروا وتغاضبوا، وقالوا : السلاحَ السلاحَ، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم، فتوجه إليهم رسول الله ﷺ وأصحابه، فقال :" أبدعْوَى الجَاهِليةِ وأنا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، بعدَ إذ أكْرَمَكْم اللّهُ بالإسْلام، وقَطَعَ به عَنْكُم أمْرَ الجَاهِلِية، وألْفَ بَينكُم ؟ " فعلموا أنها نزغة ٌ من الشيطان وكيدٌ من عدوهم، فَأَلَقَوا السِّلاحَ، واستغفروا وعانق بعضهم بعضاً، وانصرفوا مع الرسول - صلوات الله عليه وسلامه - فنزلت الآية.