قال البيضاوي : وقيل : معنى ﴿حق تقاته﴾ : أن يُنزه الطاعة عن الالتفات إليها، وعن توقع المجازاة عليها، وفي هذا الأمر تأكيدٌ للنهي عن طاعة أهل الكتاب، ﴿ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ أي : لا تكونوا على حالةٍ سوى الإسلام، إلى أن يردككم الموت. هـ. أماتنا الله على حسن الختام، مع السلامة والعافية على الدوام.
الإشارة : كما نهى الله عن طاعة من يرد عن الإيمان، نهى عن طاعة من يصد عن مقام الإحسان، كائناً ما كان، وكيف يرجع عن مقام التحقيق، وقد ظهرت معالم الطريق لمن سبقت له العناية والتوفيق!. قال بعضهم : والله ما رَجَعَ مَنْ رَجَعَ إلا من الطريق، وأما من وصل فلا يرجع أبداً. إذ لا يمكن أن يرجع من عين اليقين إلى علمِ اليقين،
٣٥٢
أو من اليقين إلى الظن. ومن أراد الثبات على اليقين فليعتصم بحبل الله المتين، وهو صحبة العارفين، فمن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [آل عِمرَان : ١٠١].
ثم خاطب أهل الإحسان فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا اقتوا الله حق تقاته﴾ بأن تغيبوا عما سواه، ولا تموتن إلا وأنتم منقادون لأحكام الربوبية، قائمون بوظائف العبودية. فهذه الآية خطاب لأهل الإحسان، و ﴿فَاْتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن : ١٦] : خطاب لأهل افسلام والإيمان، أو هذه لأهل التجريد، والثانية لأهل الأسباب، أو لأهل الباطن، والثانية لأهل الظاهر، فلكل آية أهل ومحل، فلا نسخ ولا تعارض. وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه : من أراد الجمع بين الآيتين فليتق الله حق تقاته بباطنه، وليتق الله ما استطاع بظاهره. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥١


الصفحة التالية
Icon