فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم، وحجب العلماء بعلمهم عن معلومهم، واختصّ قوماً بنفوذ عزائمهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم، فهم في رياض ملكوته يتنزهون، وفي بحار جبروته يسبحون، ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصَّافات : ٦١].
ولما ذكر الحق - جلّ جلاله - من أعلن بالإنكار، ذكر من أسَرَّ بالجحود وأظهر الإقرار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦
قلت :﴿من﴾ موصوفة مبتدأ، والخبر مقدم، أي : ومن الناس ناس يقولون كذا، والمخادعة : إظهار خلاف ما يخفي من المكروه، وأصل الخدع : الإخفاء، ومنه المخدع للبيت الذي يخبأ فيه المتاع. وقيل : الفساد لأن المنافقين يفسدون إيمانهم بما يُخْفُون، وجملة ﴿وما يشعرون﴾ حالية، أي : غير شاعرين، والشعور : التفطن، وفعله من باب كَرُمَ ونَصَرَ. وليت شعري : أي : ليت فطنتي تدرك هذا، وجملة ﴿في قلوبهم مرض﴾ تعليلية للمخادعة، والمرض : الضعف والفتور، وهو هنا مرض القلوب بالشك والنفاق. والعياذ بالله.
٥٧
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ مَن هم مغموص عليهم بالنفاق كبعض اليهود والمنافقين، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يقولون :﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وبِاليَومِ الآخِر﴾ وما هُم في عداد المؤمنين، ﴿يُخَادِعُونَ﴾ بزعمهم ﴿اللَّهَ وّالَّذينَ آمَنُوا﴾ بما يظهرون من الإيمان، ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ في الحقيقة ﴿إلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ ؛ لأن وبال خداعهم راجع إليهم، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أن خداعهم وبال عليهم، وإنما حصلت لهم هذه المخادعة لأن ﴿في قُلُوبِهِم﴾ مرضاً من الشك والحسد، فقلوبهم مذبذبة، وأنفسهم مغمومة، ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ على مرضهم بما ينزل عليهم من الآيات التي تفضحهم، ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة - إذا قدموا على الله - ﴿عَذَابٌ﴾ موجع بسبب تكذيبهم رسول الله أو كذبهم على الله. هذا مُضَمَّنُ الآية.