وَبَشِّرِ} يا محمد ويا مَن يصلح منه التبشير ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله، ﴿وَعَمِلُوا﴾ ما كلفوا به من الأعمال ﴿الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارِ﴾ أي : من تحت قصورها، وهي أنهار من ماء، وأنهار من عسل، وأنهار من لبن، وأنهار من خمر لذة للشاربين. ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً﴾ أي : صنفاً، ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِين رُزقْنَا مِن قَبْلُ﴾ في دار الدنيا، فإن الطباع تميل إلى المألوف، فالصفة متفقة والطعم مختلف. أو في الجنة، قيل : هذا لما روى عنه ﷺ أنه قال :" والذي نفسُ محمدٍ بيدِه إنَّ الرجلَ مِنْ أهلِ الجنةِ لَيتَناولُ الثمرة لِيأكلهَا فما هي واصِلةٌ إلى جَوفِه حتى يبدل الله تعالى
٦٧
مكانها مِثلَها "، فلعلهم إذا رأوها على الهيئة الأولى قالوا ذلك، لفرط استغرابهم، وتبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة، ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ﴾ أي : حور ﴿مُّطَهَّرَةٌ﴾ من الحيض، وسائر الأدناس، ومن الأخلاق المذمومة، والشيم الذميمة، ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ؛ فإن النعيم إذا كان يعقُبه الفناء تنغّص على صاحبه، كما قال الشاعر : لا خيرَ في العيشِ ما دَامتْ مُنغَّصَةً
لَذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ
الإشارة : وإن كنتم يا معشر العوام في شك مما خصصنا به ولينا من الأنوار، وما أنزلنا على قلبه من المعارف والأسرار، وما ظهر عليه من البهجة والأنوار، وما اهتدى على يديه من الصالحين والأبرار، فأتوا أنتم بشيء من ذلك، وانتصروا بما قدرتم من دون الله إن كنتم صادقين في المعارضة، قال القشيري : وكما أن كيد الكافرين يَضْمَحِلُّ في مقابلة معجزات الرسول، فكذلك دعاوى المُلْبِسين تتلاشى عند ظهور أنوار الصديقين. هـ.


الصفحة التالية
Icon