جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٥
الإشارة : يقول الحقّ جلّ جلاله للروح، إذا كمل تهذيبها، وتمت تريبتُها : اسكن أنت وبشريتك التي تزوجتها - قال تعالى :﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التّكوير : ٧] - جنة المعارف، وَكُلا من ثمار أذوابها وأنهار علومها، وتبوَّءًا من قصور ترقياتها، أكلاً واسعاً ما دمتما متحليين بالأدب، ولا تقربا شجرة المعصية وسوء الأدب ﴿فتكونا من الظالمين﴾، فلما سكنت جنة الخلود، وشَرهَتْ إلى الخلود، أهبطها الله إلى أرض العبودية، وردها إلى البقاء ؛ لتستحق الخلافة، وتقوم بحقوق الربوبية، بسبب ما ارتكبه من المعصية، وهي الشَّرهُ إلى دوام الحرية، " أكْرِمْ بها معصيةً أورثت الخلافة! "، فكل ما ينزل بالروح إلى قهرية العبودية، فهو سبب إلى الترقي لشهود نور الربوبية، وربما قضي عليك بالذنب فكان سبب الوصول، فلام أراد الحق تعالى أن ينزلها إلى أرض العبودية بالسلوك بعد الجذب، قال لها ولمن يحاربها من الشيطان والهوى والدنيا وسائر الحظوظ : اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم - أيها العارفون بعد جهاد أعدائكم - في أرض العبودية، استقرار وتمتعٌ بتجليات أنوار الربوبية، إلى حين الملاقاة الحقيقية. فتلقت الروح من ربها كلمات الإنابة، وهبَّ عليها، نسيم الهداية، بما سبق لها من عين العناية، فتاب عليها، وقرَّبها إلى حضرة الشهود، ومعاينة طلعة الملك الودود، إنه تواب رحيم جواد كريم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٥
قلت :﴿إن﴾ : شرط، و ﴿ما﴾ زيدت لتقوية الشرط، ولذلك دخلت نون التوكيد، وعبر بإن دون ﴿إذا﴾، مع تحقق مجيء الهدى ؛ لأنه غير واجب عقلاً، وجملة الشرط الثاني وجوابه، الشرط الأول، و ﴿جميعاً﴾ حال مؤكدة ؛ أي : اهبطوا أنتم أجمعون، ولذلك لا يقتضي اجماعهم على الهبوط في زمان واحد.