﴿... وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله : لولا أن الله تفضل عليكم ورحمكم بنبي الرحمة، وأنقذكم من متابعة الشيطان وعبادة الأوثان، لبقيتم على كفركم وضلالكم، ولاتبعتم الشيطان فيما يأمركم به من الكفر والعصيان، إلا قليلاً ممن اهتدى قبل بعثته، كقس بن ساعدة، وزيد بن نفيل، وورقة بن نوفل، رزقهم الله كمال العقل ؛ فنظروا وتفكروا بعقولهم ؛
٧٧
فوجدوا الله واعتزلوا ما كان يعبد آباؤهم وإخوانهم. أما قس فاعتزل قومه، وعبد الله وحده، وكان يخطب على الناس ويأمرهم بالتوحيد، ويعيب عليهم عبادة الأصنام. وعاش سبعمائة عام. وأما زيدٌ فتعلق بالحنيفية، دين إبراهيم، حتى مات قبل البعثة. وأما ورقة ـ فأخذ بدين النصرانية التي لم تُغَيَّر، وأدرك أول البعثة، وآمن بالرسول قبل أن يُؤمر بالإنذار، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" رأيتُه في الجنة عليه ثيابُ خُضر " والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٦
الإشارة : لولا فضل الله عليكم بأن بعث لكم مَن يدلكم على الله ويعرفكم بالله، ورحمته بأن أخرجكم من ضيق الفرق، إلى فضاء الجمع، لاتبعتم الفرق علمًا وعملاً، لكن الله تعالى بفضله ورحمته غيبكم عن شهود الفرق بشهود الملك الحق. إلاّ فرقًا قليلاً تقيمون به رسم العبودية، وتظهرون به الآداب مع الربوبية.
قال الورتجبي : الفضل والرحمة منه للعموم، ومحبته للخصوص، الذين هم مستثنون بقوله :" إلا قليلاً ". هـ. قال القشيري :﴿ولولا فضل الله﴾ مع أوليائه لهاموا في كل وادٍ من الفرقة كأشكالهم في الوقت. هـ. فَخَصَّ الإشارة بالأولياء، وعليه فقوله :﴿إلا قليلاً﴾ أي : إلا تفرقة قليلة تعرض لهم، تربيةً لهم، وإبقاء لرسمهم ومناطِ تكليفهم. والله تعالى أعلم. قاله في الحاشية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٦


الصفحة التالية
Icon