الإشارة : ينبغي للشيخ أن يختبر المريد في معرفته وتحقيق بغيته، فإذا بلغ مبلغ الرجال وتحققت فيه أوصاف الكمال، بحيث تحقق فناؤه، وكمل بقاؤه، وتمت معرفته، فيكون تصرفه كله بالله ومن الله وإلى الله، يَفهم عن الله في كل شيء، ويأخذ النصيب من كل شيء، ولا يأخذ من نصيبه شيئًا، قد تحلَّى بحلية الورع، وزال عنه الجزع والطمع، وزال عن قلبه خوف الخلق وهَمُّ الرزق واكتفى بنظر المَلِك الحق، يأخذ الحقيقة من معدنها، والشريعة من موضعها، فإذا تحققت فيه هذه الأمور، وأنس رشده، فليُطلقُ له التصرف في نفسه، وليأمره بتربية غيره، إن رآه أهلاً لذلك، ولا ينبغي أن يحجر عليه بعد ظهور رشده، ولا يسرف عليه في الخدمة قبل رشده، مخافة أن يزول من يده.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩
فإن كان غنيًا عن خدمته فليستعفف عنه، وليجعل تربيته لله اقتداء بأنبياء الله. قال تعالى :﴿قُل لآَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعَام : ٩٠]
١٠
﴿وَمَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [الشُّعَرَاء : ١٠٩]، وإن كان محتاجًا إليها فليستخدمه بالمعروف، ولا يكلفه ما يشق عليه، فإذا دفع إليه السر، وتمكن منه، وأمره بالتربية أو التذكير فليشهد له بذلك، ويوصي بخلافته عنه، كي تطمِئن القلوب بالأخذ عنه، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً﴾ [النساء : ٤٥].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩
قلت : جملة ﴿مما قل..﴾ الخ، بدل ﴿مما ترك﴾، و ﴿نصيبًا﴾ : مصدر مؤكد كقوله :﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ﴾ [النساء : ١١] أي : نصب لهم نصيبًا مقطوعًا، أو حال، أو على الاختصاص، أعني : نصيبًا مقطوعًا.
يقول الحقّ جلّ جلاله : وإذا مات ميت وترك مالاً فللرجال نصيب مما ترك آباءهم وأقاربهم، وللنساء نصيب مما ترك والدهن وأقاربهن كالإخوة والأخوات، مما ترك ذلك الميت قل أو كثر، ﴿نصيبًا مفروضًا﴾ واجبًا محتمًا.


الصفحة التالية
Icon