قَصَرْتَ وأتممْتُ، وصُمْتُ وأفطرتِ ؟ فقال " أحسنت يا عائشة " وأوجبه أبو حنيفة ؛ لقول عمر رضي الله عنه :( السفر ركعتان ؛ تمام غير قصر، على لسان نبيكم). ولقول عائشة :(أول ما فرضت الصلاة ركعتان، فأقرت صلاة السفر، وزيدت في الحضر).
وقال مالك رضي الله عنه : القصرُ سنة ؛ لكونه ـ عليه الصلاة والسلام ـ دام عليه في كل سفر، ولم يتُم إلا مرةً لبيان الجواز.
وقوله تعالى :﴿إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾ طاهرِه أن الخوف شرط في القصر، وبه قالت عائشة وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ، والجمهور على عدم شرطه، وإنما ذكره الحق ـ تعالى ـ لكونه غالبًا في ذلك الوقت، فلا يعتبر مفهومه، أو يؤخذ القصر في الأمن من السُّنة. ويؤيد هذا حديثُ يَعلى بن أمِية، قلت لعمر بن الخطاب : إن الله يقول :﴿إن خفتم﴾، وقد أمن الناس ؟. فقال : عجبتُ مما تعجبتَ منه. فسألت رسول الله ﷺ فقال :" صَدقةٌ تصدَّق به الله علَيكم، فاقبلوا صدَقته " وقد ثبت أن النبي ﷺ قصر الصلاة وهو آمن.
وليس في الآية ما يدل على تحديد المسافة التي تُقصَرُ فيها الصلاةُ، بل ذَكَرَ مطلقَ السفر، ولذلك أجاز الظاهرية القصر في كل سفر، طال أو قصر. ومذهب مالك والشافعي : أن المسافة أربعة بُردُ، واحتجوا بآثار عن ابن عمر وابن عباس. وقال أبو حنيفة : ستة بُرُد، وكذلك لم يقيد الحقُّ السفرَ بمباح ولا غيره، ولذلك أجاز أبو حنيفةٍ القصرَ في كل سفر. ومنعه مالك في سفر المعصية. ومنعه ابن حنبل في المعصية والمباح. والمراد بالفتنة في قوله :﴿إن خفتم أن يفتنكم﴾ : الجهاد والتعرض لما يُكره، وعداوة الكفار معلومة.


الصفحة التالية
Icon