الإشارة : إذا كنت في جند الأنوار، وأحدَقَت بك حضرة الأسرار، ثم نزلتَ إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فلتقم طائفة من تلك الأنوار معك، لتحرسك من جيش الأغيار وجند الأكدار، حتى يكون رجوعُك إلى الآثار مصحوبًا بكسوة الأنوار وحليلة الاستبصار، فيكون رجوعك إليها بالله لا بنفسك، فإذا سجد القلبُ في الحضرة كانت تلك الأنوار من ورائه والأسرار من أمامه، ﴿وَاللهُ مِن وَرَآئِهِم مُحِيطُ﴾ [البُرُوج : ٢٠]، ولتأت طائفة أخرى لم تصل هذه الصلاة ؛ لأنها لم تبلغ هذا المقام، فلتصل معك اقتباسًا لأنوارك، لكن تأخذ حذرها وتستعد من خواطر الأشغال، كي لا تميل عليهم فتفتنهم عن الحضور مع الكبير المتعال، فإن كان مريض القلب بالهوى وسائر العلل، فلا يكلف من الحضور إلا ما يطيقه، لأن القط لا يكلف بحمل الجمل. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٢
يقول الحقّ جلّ جلاله : فإذا فرغتم من الصلاة ﴿فاذكروا الله﴾ في جميع أحوالكم ﴿قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم﴾ إن أردتم حراسة قلوبكم، والنصر على عدوكم، أو إذا أردتم قضاءَ الصلوات وأداء فرضها، وأنتم في المعركة، فصلوا كما أمكنكم ﴿قيامًا﴾ راجلين أو على خيولكم إيماءً، وحلَّ للضرورة حينئٍذ مشى وركض وطعن وعدم توجه وإمساك ملطخ، وتنبيهٌ وتحذيرٌ، هذا للصحيح، ﴿وقعودًا وعلى جنوبكم﴾، للمريض أو الجريح، هكذا قال جمهور الفقهاء في صلاة المسايفة وقال أبو حنيفة : لا يصلي المحارب حتى يطمئن.
﴿فإذا اطمأننتم﴾ وذهب الخوفُ عنكم ﴿فأقيموا الصلاة﴾ على هيأتها المعلومة، واحفظوا أركانها وشروطها، وأُتوا بها تامة، ﴿إن الصلاة كانت المؤمنين كتابًا موقوتًا﴾
٩٤
أي : فرضًا محدود الأوقات، لا يجوز إخراجها عن وقتها في شيء من الأحوال. قال البيضاوي : وهذا دليل على أن المراد بالذكر الصلاة، وأنها واجبة الأداء، حال المسايفة، والاضطراب في المعركة، وتعليلٌ للأمر بالإتيان بها، كيف أمكن.