يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ليس﴾ هذا الوعد الذي ذكرت لأهل الإيمان يُنَال ﴿بأمانيكم﴾ أي : تمنيكم أيها المسلمون، ولا بأماني ﴿أهل الكتاب﴾، أي : لا يكون ما تتمنون ولا ما يتمنى أهل الكتاب، بل يحكم الله بين عباده ويجازيهم بأعمالهم. رُوِي أن المسلمين وأهل الكتاب تفاخروا، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون : نحن أولى منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة، فنزلت. وقيل : الخطاب مع المشركين، وهو قولهم : لا جنة ولا نار، أو قولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لتكونن خيرًا منهم وأحسن حالاً.
وأماني أهل الكتاب : قولهم ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ [آل عِمرَان : ٢٤]، و ﴿لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارى﴾ [البَقَرَة : ١١١]، ثم قرر ذلك فقال :﴿من يعمل سوءًا يجز به﴾ عاجلاً أو آجلاً ؛ لما رُوِي أنه لما نزلت قال أبو بكر : من ينجو مع هذا يا رسول الله، إن كنا مجزيين بكل سوء عملناه ؟ فقال له ـ عليه الصلاة والسلام ـ " أما تحزن ؟ أما تمرض ؟ أما يصيبك اللأواء ؟ " قال بلى يا رسول الله، قال :" هو ذلك " فكل من عمل سوءًا جوزي به، ﴿ولا يجد له من دون الله وليًا﴾ يليه ويدفع عنه، ﴿ولا نصيرًا﴾ ينصره ويمعنه من عذاب الله.
١٠٣
الإشاره : لا تُنال المراتب بالأماني الكاذبة والدعاوي الفارغة، وإنما تنال بالهمم العالية، والمجاهدات القوية، إنما تنال المقامات العالية بالأعمال الصالحة، والأحوال الصافية، وأنشدوا :
بِقَدرٍ الكذِّ تُكتَسَبُ المَعَالِي
من أراد العز سهر الليالي
تُرِيدُ العزَّ ثُم تَنَامُ لّيلاً
يَغُوضُ البحر مَن طَلَبَ اللآلي
ولما نزل قوله تعالى :﴿ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب...﴾ الآية. قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٣