قلت :﴿شهداء﴾ : خبر ثاني لكان، أو حال، ﴿فالله أولى﴾ : علة للجواب ؛ أي : إن يكن المشهود عليه غنيًا عليه فلا تمتنعوا من الشهادة عليه تعظيمًا له، وإن يكن فقيرًا فلا تمتنعوا من الشهادة عليه إشفاقًا عليه، فإن الله أولى بالغني والفقير منكم، والضمير في ﴿بهما﴾ راجع إلى ما دل عليه المذكور، وهو جنسًا الغني والفقير، لا إليه وإلا لوحّد ؛ لأن " أو " لأحد الشيئين. و ﴿أن تعدلوا﴾ : مفعول من أجله، ومن قرأ : تلوا ـ بضم اللام ـ فقد نقل ضم الواو إلى اللام وحذف الواوين، وقيل : من الولاية.
١١٢
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط﴾ أي : مجتهدين في إقامة العدل مواظبين على الحكم به، وكونوا ﴿شهداء لله بالحق﴾ تقيمون شهادتكم لوجه الله، وابتغاء مرضاته، بلا طمع أجر ولا عرض، وهذا إن تعينت عليه، ولم يكن في تحملها مشقة، وإلا أُبيح له أجر تعبه، فأدوا شهاداتكم ﴿ولو﴾ كانت ﴿على أنفسكم﴾ بأن تقروا بالحق الذي عليها، لأن الشهادة بيان الحق، سواء كان عليها أو على غيرها، ﴿أو﴾ كانت الشهادة على ﴿الوالدين والأقربين﴾، فلا تمنعكم الشفقة والتعظيم من إقامة الشهادة عليهما، وأحرى غيرهما من الأجانب، ﴿إن يكن﴾ المشهود عليه ﴿غنيًا أو فقيرًا﴾ فلا تميلوا عن الشهادة بالحق عليهما، تعظيمًا للغني أو شفقة للفقير، فأن ﴿الله أولى بهما﴾ وبالنظر لهما، فلو لم تكن الشهادة عليهما صلاحًا لهما ما شرعها، ﴿فلا تتبعوا الهوى﴾ فتميلوا مع الغني أو الفقير، فقد نهيتكم إرادة ﴿أن تعدلوا﴾ في أحكامكم، فتكونوا عدولاً، أو كراهية أو تعدلوا عن الحق أي : تميلوا، ﴿وإن تلووا﴾ ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل ﴿أو تعرضوا﴾ عن أدائها فتكتموها ﴿فإن الله كان بما تعملون خبيرًا﴾، فيجازي الكاتم والمؤدي.


الصفحة التالية
Icon