يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إنا أوحينا إليك﴾ يا محمد ﴿كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده﴾ ولم يكن ينزل عليهم الكتاب جملة واحدة، كما سألك أهل الكتاب تعنيتًا، بل كان ينزل عليهم الوحي شيئًا فشيئًا، فأمرك كأمرهم. وقدَّم نوحًا عليه السلام لأنه أبو البشر بعد آدم، وأول نبي من أنبياء الشريعة، وأول نذير على الشرك وأول رسول عُذبت أمته بدعوته، وأطول الأنبياء عُمرًا، وجُعلت معجزته في نفسه، فإنه عمَّر ألف سنة، ولم تنقص له سن، ولم تنقص له قوه، ولم تشب له شعرة، ولم يبالغ أحد في تأخير الدعوة ما بالغ هو عليه السلام، ولم يصبر أحدٌ على أذى قومه ما صبر هو، كان يُشتم ويُضرب حتى يغمى عليه.
ثم قال تعالى :﴿وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط﴾ أي : الأحفاد، وهم أنبياء بني إسرائيل، ﴿وعيسى وأيوب وهارون وسليمان﴾، وإنما خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيمًا لهم، فإن إبراهيم أولُ أُولي العزم منهم، وآخرهم عيسى عليه السلام، والباقون أشراف الأنبياء ومشاهيرهم، ﴿وآتينا داود زبورًا﴾ أي : كتاب الزبور، أو زُبورًا أي : صحفًا متعددة، وأرسلنا ﴿رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل﴾ أي : من قبل هذه السورة، أو قبل هذا اليوم، ﴿ورسلاً لم نقصصهم عليك﴾، وفي الحديث :" عددُهم ثلاثمائة وأربعة عشر "، ﴿وكلم الله موسى تكليمًا﴾ حقيقيًا، خُصَّ به من بين الأنبياء، وزاد نبينا محمد ﷺ بالرؤية مع الكلام.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٢٨


الصفحة التالية
Icon