أي : اقصدوا. وقال الفراء صفة لمصدر، أي : آمنوا إيمانًا خيرًا لكم. وقال بعض الكوفيين : هو خبر كان المحذوفة، وتقديره : ليكن الإيمان خيرًا لكم.
قلت : وهو أظهر من جهة المعنى، وإن منعه البصريون، قالوا : لأنَّ ﴿كان﴾ لا تحذف مع اسمها إلا في مواضع مخصوصة، قال ابن مالك :
ويَحذِفُونَها ويُبقُون الخبَر
وبَعدَ إن، ولو، كثِيرًا ذا اشتَهر
ولعل هذا الموضع أتى على غير المشهور تنبيهًا على الجواز.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم﴾ وهو محمد ﷺ، ﴿فأمنوا به﴾ يكن ﴿خيرًا لكم﴾ مما أنتم فيه من الضلال، ﴿وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض﴾ وما تركبتا منه، ملكًا وخلقًا وعبيدًا، فهو غني عنكم، لا يتضرر بكفركم، كما لا ينتفع بإيمانكم، ﴿وكان الله عليمًا﴾ بأحوالكم، ﴿حكيمًا﴾ فيما دبر لكم.
الإشارة : الذي جاء به الرسول ـ ﷺ ـ هو إتقان مقام الإسلام، وتصحيح مقام الإيمان، الذي من أركانه : الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وتحقيق مقام الإحسان الذي هو مقام الشهود والعيان، لا يكمل هذا إلا بصحبة أهل العرفان، الذين صححوا مقام الفناء، وخرجوا إلى البقاء خاضوا بحار التوحيد، وانفردوا بأسرار التفريد، ورسخ فيه مقام الرضى والتسليم، فتلقوا المقادير كلها بقلب سليم، فمن لم يصحبهم ويتأدب بآدابهم بقي إيمانه ناقصًا، وحقه العذاب، فكأن الحق ـ تعالى ـ يقول على لسان الإشارة : قد جاءكم وليي، وهو خليفة رسولي، فآمنوا بخصوصيته، وأذعنوا لأمره وتربيته، يكن خيرًا لكم مما أنتم فيه من المساوىء والأمراض، لئلا تلقوني بقلب سقيم، وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٢
قلت : أصل الغلو : مجاوزة الحد في كل شيء، يقال : غلا بالجارية لحمها وعظمها، إذا أسرعت إلى الشباب فجاوزت لداتها ؛ أي : أقرانها، تغلو غلوًا.


الصفحة التالية
Icon