واعلم أن النصارى انقسموا على أربع فرق : نسطورية، ويعقوبية، وملكانية، ومرقوسية، ومنهم نصارى نجران، فالنسطورية، قالوا في عيسى هو ابن الله، واليعقوبية والملكانية، قالوا هو الله، والمرقوسية قالوا : هو ثالث ثلاثة، وكلهم ضالون.
الإشارة : الغلو كله مذموم، وخير الأمور أوساطها، وقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" لا تُطرُونِي كما أطرَت النَّصَارَى عيسى ابنَ مَريم، ولكن قولوا : عَبدُ اللهِ وَرَسُوله "، ويرخص للفقير أن يتغالى في مدح شيخه، ما لم يخرجه عن طوره، أو ينتقص غيره بمدحه، وفي الإشارة حيث على حفظ مقام التوحيد، وتنزيهه تعالى عن الأضداد والأنداد. وفي ذلك يقول الشاعر :
أرَبٌّ وعَبدٌ ونَفى ضِدٍ
قلتُ لَهُ : لَيسَ ذَاكَ عِندِي
فَقَالَ ما عِندَكُم ؟ فقُلنَا :
وُجُودُ فَقدٍ وفَقدُ وُجد
فإثبات العبودية مستقلة تضاد الربوبية، ولذلك أنكرها الشاعر، أي : أثبت ربًا وعبدًا، وأنت تقول بنفي الضد عنه وفي الحِكَم :" الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته ".
١٣٤
ولما قالت نصارى نجران للنبي ﷺ : إنك تعيب صاحبنا ؟ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ " ومن صاحبكم ؟ " قالوا : عيسى. قال " وأي شيء أقول ؟ " قالوا : تقول إنه عبد الله. قال لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" ليس بعارٍ أن يكون عيسى عبدًا "
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٣
قلت : أصل الاستنكاف : التنحية، من قولهم : نكفت الدمع ؛ إذا نحيته بإصبعك كي لا يُرى أثره عليك، ثم أُطلق على الأنفة، والاستكبار دون الاستنكاف، ولذا عطف عليه ؛ لأن الاستنكاف، لا يستعمل إلا حيث لا استحقاق، بخلاف الاستكبار فإنه يكون باستحقاق. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon