يقول الحقّ جلّ جلاله : فإن كان المتروك من الأولاد ﴿نساء﴾ ليس معهن ذكور ﴿فوق اثنتين﴾ أي : اثنتين فما فوق، ﴿فلهن ثلثا ما ترك﴾، والباقي للعاصب، وأخذ ابن عباس بظاهر الآية، فأعطاهما النصف كالواحدة، والجمهور على خلافه، وأن لفظ ﴿فوق﴾ زائدة كقوله ﴿فاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاِق﴾ [الأنفال : ١٢]، وقيل : أخذ الثلثين بالسُنة، وإن ﴿كانت﴾ بنتًا ﴿واحدة فلها النصف﴾، والباقي للعاصب، وفيه دليل على أن الابن يأخذ جميع المال إذا انفرد ؛ لأن له مثل حظ الأنثيين.
الإشارة : انظر البنت، إذا انفردت أخذت النصف، وإذا اجتمعت مع غيرها نقص لها، كذلك أمداد الأشياخ، من انفرد عددهم وحده، أخذ أكثر مما إذا اجتمع مع غيره، لانجماع نظر الشيخ إليه، وكان شيخنا رضي الله عنه يقول له شيخه : ما زال يأتيك
١٥
الرجال ـ أي : إخوانك من الفقراء ـ وكان وحده، فيقول له : الله لا يجعل أحدًا يأتي حتى نشبع. وكذلك أيضًا، انفراد العبد بالعبادة، في وقت الغفلة، مددها أعظم من كونه مع غيره، كالمجاهد خلف الفارين. وكذلك قال عليه الصلاة والسلام :" طوُبَى للغُرَبَاءِ " والله تعالى أعلم.
ثم ذكرت ميراث الأبوين، فقال :
﴿... وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ...﴾
قلت :﴿السدس﴾ مبتدأ، و ﴿لأبويه﴾ خبر، ﴿لكل واحد﴾، بدل من ﴿أبويه﴾، ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان في السدس، ولو قال : لأبوَيْه السدس ؛ لأوهم الاشتراك.