الإشارة : حرمت عليكم يا معشر المريدين طلب الحظوظ والشهوات، وما تموت به قلوبكم من الانهماك في الغفلات، وتناول ما أعطِيكم لغير وجه الله، وقبضتموه من غير يد الله، بأن نظرتم حين قبضه إلى الواسطة، وغفلتم عن المعطي حقيقة، فمقتضى شريعة الخواص : إخراجه عن الملك، وحرمان النفس من الانتفاع به، كما وقع لبعض الأولياء، ولا تتناولوا من الطعام إلا ما ذكيتموه بأن شهدتم فيه المنعم دون الوقوف مع النعمة، ونزلتم إليه بالإذن، دون قصد الشهوة والمتعة، وهذا يحتاج إلى تيقظ كبير ومراقبة قوية. والله يتجاوز عن أمثالنا بحلمه وكرمه. آمين.
ولمَا حرم الله تعالى هذه الاشياء حصل للمشركين الإياس من موافقة المسلمين لهم في دينهم، فلذلك ذكره الحق تعالى بإثر تحريمها، فقال :
﴿... الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً...﴾
١٤٣
يقول الحقّ جلَ جلاله :﴿اليوم﴾ الذي أنتم فيه، وهو يوم الجمعة، ويوم عرفة في حجة الوداع، ﴿يئس الذين كفروا من دينكم﴾ أن يبطلوه، أو يظهروا عليه بحصول المباينة لهم في أمورهم كلها، ولظهور الإسلام فيه وكثرة المسلمين، قيل : إنه وقف معه ﷺ في هذه الحجة : مائة ألف وأربعة عشر ألفًا، ويحتمل أن يريد باليوم الزمان الحاضر، وما يتصل به من الأزمنة الآتية، ﴿فلا تخشوهم﴾ أن يظهروا عليكم، ﴿واخشون﴾ وحدي ؛ فأمرهم بيدي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٢