يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يسألونك﴾ يا محمد عن الذي ﴿أُحل لهم﴾ من المآكل، بعد الذي حرم عليهم من الخبائث، فقل لهم :﴿أحل لكم الطيبات﴾ وهو عند مالك : ما لم يدل دليل على تحريمه من كتاب ولا سنة، وعند الشافعي : ما يستلذه الطبع السليم ولم يفّر عنه، فحرم الخنافس وشبهها، ﴿و﴾ أحل لكم صيد ﴿ما علّمتم من الجوارح﴾ أي : الكواسب، وهي الكلاب ونحوها، مما يصطاد به ويكسب الصيد على أهله، من سباع وذوات أربع، وطير، ونحوها، حال كونكم ﴿مُكلبين﴾ أي : معلمين لها الاصطياد، أي : مؤدبين لها، ﴿تُعلمونهن مما علمكم الله﴾ من الحيل وصدق التأديب، فإن العلم بها إلهام من الله، أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة من الله لابن آدم. وحد التعليم عند ابن القاسم : أن يفهم الجارح الإشلاء والزجر، وقيل : الإشلاء ؛ أي : التسلط ـ فقط، وقيل ؛ الزجر فقط، وقيل : أن يجيب إذا دُعي.
﴿فكلوا مما أمسكن عليكم﴾ ولم يأكل منه، لقوله ﷺ :" وإن أكَلَ، فلاَ تَأكُل ؛ فَإنَّما أمسكَ عَلَى نَفسِه " وهو مذهب الشافعي، وقال مالك : يؤكل مطلقًا لما في
١٤٥
بعض الأحاديث :" وإن أكلَ فكُل "، وقال بعضهم : لا يشترط ذلك في سَباع الطير ؛ لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥
واذكروا اسم الله عليه﴾ أي : على ما علمتم عند إرساله، ولو لم ير المرسل عليه، وكذا عند الرمي المحدد ونحوه، فإن سمي على شيء مُعين ووجد غيره لم يؤكل، أو التبس مع غيره، وإن سمي على ما وجد أكل الجميع، ولا بد من نية الذكاة عند الإرسال أو الرمي، واختلف في حكم التسمية، فقال الظاهرية : أنها واجبة مطلقًا، فإن تركت عمدًا أو سهوًا لم تؤكل عندهم، وقال الشافعي : مستحبة، حملاً للأمر على الندب، فإن تركت عمدًا أو سهوًا أكلت عنده.