﴿قد جاءكم﴾ يا أهل الكتاب ﴿من الله نور وكتاب مبين﴾، عطف تفسير، فالنور هو الكتاب المبين، أو النور : محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ والكتاب المبين : القرآن ؛ لأنه الكاشف لظلمات الشك والضلال، والواضح الإعجاز والبيان، ﴿يهدي به الله من اتبع رضوانه﴾ أي : من اتبع رضى الله بالإيمان به، والعمل بما فيه، ﴿سُبل السلام﴾ أي : طريق السلامة من العذاب، أو طرق الله الموصلة إليه، ﴿ويخرجهم من الظلمات إلى النور﴾ من ظلمات الكفر، إلى نور الإسلام ﴿بإذنه﴾ أي : بإرادته وتوفيقه، ﴿ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾ أي : طريق توصلهم إليه لا عوج فيها.
الإشارة : قد أطْلَع الله علماء الباطن على مقامات علماء الظاهر وأحوالهم وجل مساوئهم، ولا سيما من كان عالمًا بالظاهر ثم انتقل إلى علم الباطن، كالغزالي وابن عباد وغيرهما. فقد تكلم الغزالي في صدر الإحياء مع علماء الظاهر، ففضح كثيرًا من مساوئهم. وكذلك ابن عباد في شرح الحكم، وعفوًا عن كثير ـ فهم على قدم رسول الله صلى عليه وسلم وخواص ورثته، لأنهم حازوا الوراثة كلها، كما في المباحث :
تَبِعَةُ العَالِم في الأقوَال
والعَابِد الزَّاهِد في الأفعَال
وفِيهما الصُّوفِيُّ في السباق
لكنَّه قّد زَادَ بالأخلاَق
فالولي نور من نور الله، وسر من أسراره، يُخرج به من سبقت له العناية من ظلمات الحجاب إلى نور الشهود، ويهدي به من اصطفاه لحضرته تعالى طريق الوصول إليه. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٦
١٥٧
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم﴾، والقائل بهذه المقالة هي الطائفة اليعقوبية من النصارى، كما تقدم. وقيل : لم يصرح بهذه المقالة أحدٌ منهم. ولكن لزمهم حيث قالوا بأن اللاهوت حل في ناسوت عيسى ـ مع أنهم يقولون الإله واحد، فلزمَهم أن يكون هو المسيح، ولزمهم الاتحاد والحلول ؛ فنسب إليهم لازم قولهم، توضيحًا لجهلهم، وتقبيحًا لمعتقدهم.