﴿فمن تاب من بعد ظلمه﴾ أي : بعد سرقته، كقوله في سورة يوسف :﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الَّظالِمِينَ﴾ [يُوسُف : ٧٥] أي : السارقين، ﴿وأصلح﴾ بأن ردّ ما سرق، وتخلص من التبعات ما استطاع، وعزم ألا يعود ﴿فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم﴾، فيتقبل توبته، فلا يعذبه في الآخرة، وأما القطع :
فهل يسقط، وهو مذهب الشافعي لظاهر الآية، أو لا يسقط، وهو مذهب مالك، لأن الحدود لا تسقط عنده بالتوبة إلا عن المحارب ؟ | قاله ابن جزي، تبعًا لابن عطية، وفيه نظر، فإن مشهور مذهب الشافعي موافق لمالك، ولعله تصحف عده الشافعي بالشعبي، كما نقل الثعلبي عنه. والله أعلم. |
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٥
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض﴾ يتصرف فيهما كيف شاء، فالخطاب للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو لكل أحد، ﴿يُعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء﴾ قال السدي : يُعذب من مات على كفره، ويغفر لمن تاب من كفره. وقال الكلبي :﴿يُعذب من يشاء﴾ على الصغيرة إذا أقام عليها ﴿ويغفر لمن يشاء﴾ على الكبيرة إذا نزع منها، ﴿والله على كل شيء قدير﴾ لا يعجزه شيء. الإشارة : كما أمره الحق ـ جل جلاله ـ بقطع سارق الأموال، أمر بقطع سارق القلوب، وهو الشيطان، وجنوده ؛ الخواطر الردية ؛ فإن القلب بيت كنز السر ـ أي : سر الربوبية ـ لأن القلب بيت الرب، والبصيرة حارسة له، فإذا طرقه الشيطان بجنوده، فإن وجد البصيرة متيقظة دفعته وأحرقته بأنوار ذكرها، وأن وجدها نائمة ؛ فإن كان نومها خفيفًا اختلس منها وفطنت له، وإن كان نومها ثقيلاً ؛ بتراكم الغفلات، خرب البيت ولم تفطن له، فيسكن فيه بجنوده الخواطر وهي نائمة. فالواجب على الإنسان حفظ قلبه، قبل أن يسكنه الشيطان، فيصعب دفعه، وحفظه بدوام ذكر الله القلبي، فإن لم يستطع فبدوام اللسان، فإن لم يستطع فبالنية الصالحة. وربنا المستعان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٥